البائعات المتجولات الإيرانيات – يجلسن في نفق الموت والإهانة من أجل لقمة العيش
البيع المتجول في إيران عبارة عن طبقة تضم أشخاصًا من مختلف الأعمار والمستويات التعليمية. وعلى الرغم من أن العديد من الرجال يلجأون إلى مزاولة هذه المهنة بسبب الفقر والبطالة، ولكن عندما تدخل الأسواق الكبيرة أو المناطق السكنية أو حتى مترو الأنفاق تلفت انتباهك هؤلاء النساء المعيلات أكثر من بقية البشر.
إذ يجب على البائعة المتجولة أن تقوم برعاية أطفالها وإدارة شؤون منزلها من ناحية، وأن تحرص بعد التغلب على المشاكل الثقافية والاجتماعية لهذا العمل، خاصة تحت وطأة الثقافة الذكورية التي تسود المجتمع على ألا تشغل مكان أحد البائعين المتجولين أو تضيق الخناق على التجار أصحاب المحلات، وغير ذلك من المشاكل والاعتبارات الأخرى.
والجدير بالذكر أن البائعات المتجولات مجبرات على ممارسة نشاطهن في الأماكن المزدحمة والمخاطرة بالإصابة بفيروس كورونا المميت. ومن بين هذه الأماكن الكثيرة الخطورة؛ مترو الأنفاق في طهران الذي أصبح زيادة عدد البائعات المتجولات فيه يشكل أزمة يتحدث عنها الجميع.
لماذا تلجأ النساء إلى البيع المتجول؟
يوجد حاليًا في إيران ما لا يقل عن 4 ملايين امرأة معيلة، ويفيد أحدث إحصاء أعلنه نظام الملالي أن 82 في المائة منهن عاطلات عن العمل ويعشن تحت خط الفقر. وهن مضطرات تحت وطأة القيود الذكورية الصارمة السائدة في المجتمع إلى إدارة شؤون أسرهن.
وتضع وزارة العمل والشؤون الاجتماعية شروطًا متعددة لتقديم الخدمات لهؤلاء النساء. فعلى سبيل المثال، إذا كنَّ موظفات، يجب أن يكون راتبهن أقل من الراتب الأساسي المعلن عنه من قبل الوزارة المذكورة بنسبة 40 في المائة وإلا يُعتبرن قادرات ولن تسري عليهن خدمات الوزارة.
كما يتلقى من تسري عليهن التمتع بالرعاية الاجتماعية خدمات متدنية لا تلبي الضروريات الأساسية لمعيشتهن ومعيشة أبنائهن. لذا، يلجأ العديد منهن إلى العمل في البيع المتجول لتوفير الحد الدنى من المعيشة.
وفي مقابلة مع وكالة “إيلنا” الحكومية للأنباء، عبّرت بعض البائعات المتجولات بلغة بسيطة عن أسباب لجوئهن إلى مزاولة هذا العمل، وفيما يلي بعض الأمثلة على ذلك:
قالت امرأة تبيع الأوشحة في مترو الأنفاق: ” إنني مضطرة إلى العمل لعدة ساعات يوميًا في مترو الأنفاق المحفوف بالمخاطر، إذ إنني لست أمامي خيار آخر لكسب الرزق. وأنا معيلة ولدي طفلين يدرسان في المدرسة، وتبلغ قيمة إيجار المنزل أكثر من مليون تومان، فماذا أفعل؟!
وتقول بائعة متجولة تبلغ من العمر 60 عامًا: “إن زوجي مريض ولا يستطيع الخروج من المنزل، لذلك فإنني مجبرة على العمل، ولم يساعدونا نحن الفقراء في دفع إيجار المنزل، وأنفق نصف دخلي في دفع إيجار المنزل، وفي ضواحي كرج أدفع شهريًا أكثر من مليون تومان لإيجار المنزل. فهل يجوز ألا يعمل الإنسان في مثل هذا الوضع المتردي؟
وأضافت تلك السيدة التي تقوم بنسج الألياف ليلًا وبيعها في المترو نهارًا : ” إننى أخشى الإصابة بفيروس كورونا، بل وخائفة جدًا، ولكن ليس أمامي خيار آخر، فالأسعار مرتفعة ويجب أن أعمل في المترو لساعات عديدة أكثر من ذي قبل.
![عدد البائعات المتجولات في طهران](https://women.ncr-iran.org/ar/wp-content/uploads/2020/11/women-peddlers-in-Iran-2-زنان-دست-فروش.jpg)
عدد البائعات المتجولات في طهران
فيما يتعلق بموضوع البيع المتجول والبائعات المتجولات نجد أن نظام الملالي لا يعمل بشفافية في هذا المجال، كما هو الحال في المجالات الاجتماعية الأخرى وحقوق الإنسان، حيث لا يوجد أي إحصاء بالعدد الحقيقي للبائعات المتجولات. وفي شهر سبتمبر 2020، صرح سيد على مفاخريان، المدير التنفيذي لشركة طهران للتأهيل والتوظيف، بأن عدد البائعات المتجولات في طهران فقط المسجلات في نظام هذه الهيئة يصل إلى 10,000 امرأة. (وكالة “إيلنا” الحكومية للأنباء، 8 نوفمبر 2020).
وأشار حسن خليل آبادي، عضو مجلس مدينة طهران، إلى زيادة البيع المتجول في العاصمة بسبب ظروف تفشي وباء كورونا والبطالة الناتجة عنه، وصرح بأن: ” العديد من أبناء الوطن في العاصمة فقدوا وظائفهم تحت وطأة تفشي وباء كورونا، ويكسبون رزقهم من خلال البيع المتجول فقط”. (وكالة “إيلنا” الحكومية للأنباء، 8 نوفمبر 2020).
وتفيد الإحصاءات الحكومية أن وباء كورونا قضى على ما يقرب من 5,1 مليون وظيفة وأدى إلى زيادة عدد العاطلين عن العمل. وفي الفصل الأخير فقط من عام 2019، بلغ عدد العاطلات عن العمل 000 145 امرأة. وخلال عام مضى انخفض عدد النساء العاملات بمقدار 750.000. (وكالة “إيلنا” الحكومية للأنباء، 11 أبريل 2020، ووكالة “برنا” الحكومية للأنباء، 10 نوفمبر 2020).
من المسؤول؟
إن المسؤولين في نظام حكم الملالي هم من يعلمون جيدًا أنهم يجب عليهم التوقف عن النهب والسرقة حتى ولو لفترة قصيرة لحل أي مشكلة اجتماعية في إيران، وكل منهم يلقي بالمسؤولية على عاتق الآخر. ويرى المسؤولون في وزارة الصحة أن البلدية تتحمل المسؤولية عن تنظيم البائعات المتجولات، بينما تلقي البلدية وأفرادها أثناء قيامهم بالهجمات الوحشية والمهينة على هؤلاء النساء المضطهدات بالمسؤولية على عاتق الهيئات الأخرى.
ويعترف فرنوش نوبخت، المدير التنفيذي لشركة تشغيل مترو الأنفاق في طهران وضواحيها بأن: “معظم المحطات تحت تصرف المقاولين، وإذا أردنا وضعها تحت تصرف الباعة المتجولين في مترو الأنفاق مجانًا، فإن هذا الأمر غير ممكن لأننا أبرمنا عقودًا مع المقاولين وأخذنا منهم قيمة الإيجار”. (موقع “برنا” الحكومي، 15 يونيو 2020).
وفيما يتعلق بعمل البائعات المتجولات في بيئة مترو الأنفاق المغلقة، تقول سيما سادات لاري، المتحدثة باسم وزارة الصحة: ” يجب على البلدية أو مترو الأنفاق اتخاذ إجراءات حيال هذا الأمر”. وأضافت: ” أثيرت في العام الماضي العديد من المناقشات حول الباعة المتجولين في مترو الأنفاق وتنظيم هؤلاء الأشخاص. وتنظيمهم ليس من اختصاص وزارة الصحة”. (وكالة “إيلنا” الحكومية للأنباء، 7 نوفمبر 2020).
وبدورها قالت زهراء نجاد بهرام، عضو مجلس إدارة مجلس مدينة طهران: ” إن تنظيم الباعة المتجولين لا له علاقة بالبلدية، بل إنه يدخل في نطاق مهام وزارة التعاون والعمل والرعاية الاجتماعية”. وأضافت: “لقد اتصلت بـ برويز فتاح، رئيس مؤسسة المستضعفين، وحتى أرسلت له رسالة، لكنني لم أتلق ردًا بعد. وأرسلت رسائل إلى بعض زملائه أيضًا، لكنني لم أتمكن بعد من إقناع هذه المؤسسة بالمشاركة” (لأنه تحت وطأة حكم الملالي لا حياة لمن تنادي). (وكالة “ركنا” الحكومية للأنباء، 9 نوفمبر 2020).
وخلال الأشهر الـ 9 التي مرت منذ انتشار وباء كورونا، ينصح المسؤولون الحكوميون الناس مرارًا وتكرارًا بعدم استخدام مترو الأنفاق. لكن لم يفكر أي مسؤول خلال هذه الفترة الطويلة في حالة الفقراء الذين لا يستطيعون ركوب المترو. فالحكومة لا تدعم الفقراء فحسب، بل إنها تتسبب في زيادة عددهم كل يوم بسياساتها الخاطئة. (وكالة “إيلنا” الحكومية للأنباء، 8 نوفمبر 2020).
![كيف يتم التعامل مع الباعة المتجولين؟](https://women.ncr-iran.org/ar/wp-content/uploads/2020/11/women-peddlers-in-Iran-3-زنان-دست-فروش.jpg)
كيف يتم التعامل مع الباعة المتجولين؟
اعترفت وكالة “إيلنا” الحكومية للأنباء بمضايقة الباعة المتجولين المضطهدين وإلحاق الأذى بهم. إن زيادة عدد الباعة المتجولين، ولاسيما البائعات المتجولات بشكل مروع بسبب تفشي وباء كورونا حقيقة مؤكدة، بيد أن التعامل مع النساء في مترو الأنفاق يعد تصرفًا قهريًا.
وفيما يتعلق بمعاملة قوات الأمن بعنف، تقول إحدى البائعات المتجولات:
“يجبرنا مأموري النظام على النزول من القطارات أو لا يسمحوا لنا بالعمل في المحطات ؛ وليس على لسانهم سوى قولهم لنا : اذهبوا واختفوا من هنا. وبشكل عام لا يعاملنا المأمورين بالشكل اللائق على الإطلاق”.
يقول فرنوش نوبخت: “لقد وجهت الإشعارات اللازمة حول هذا الموضوع، ويقوم مركز المراقبة بتقديم بعض التقارير، وهلم جرا. وإذا وجدنا باعة متجولين في مداخل المحطات يتم منعهم”.
وحث الركاب على عدم شراء البضائع من الباعة المتجولين، وأكد مرة أخرى على ضرورة التصدي لتواجد الباعة المتجولين”. (موقع “برنا” الحكومي، 15 يونيو 2020).
ما هو الحل المبدئي؟
تعتقد زهراء كريمي موغاري، الخبيرة الاقتصادية والأستاذة في جامعة مازندران، أن الحل الوحيد لعدم توجه البائعات المتجولات للعمل في مترو الأنفاق وتعرضهن للخطر يكمن في توفير فرص العمل المناسبة لهن وتوفير سبل العيش الآمنة.
وتؤكد الخبيرة موغاري على أن مناهج الإقصاء التي تقوم فقط على إبعاد هؤلاء الناس من المدينة غير مجدية على الإطلاق”. (وكالة “إيلنا” الحكومية للأنباء، 7 نوفبمر 2020).
من الواضح أننا لا نحتاج إلى أن نكون خبراء لتشخيص مثل هذا الحل. لكن علينا أن ندرك عن أي نظام نتحدث. ويجب أن ندرك فيما إذا كان النظام الديكتاتوري الحاكم الذي أسس سلطته على قمع النساء ومعروف في جميع أنحاء العالم بالفساد في جميع المجالات من الممكن أن يكون لديه الإرادة لتوفير فرص العمل اللائقة وتأمين سبل العيش الآمن من عدمه؟.
وفضلًا عن 40 عامًا من الجريمة والقمع ومناهضة الملالي للمرأة، فقد مرت 9 أشهر على بداية أزمة كورونا. بيد أنه لا يوجد أي حل مبدئي في جدول أعمال مسؤولي نظام الملالي لحماية البائعات المتجولات وأبناء الوطن من فيروس كورونا الفتاك. بل على العكس من ذلك، فإننا لا نرى سوى الاستغلال لأزمة دولية لممارسة المزيد من القمع قدر الإمكان وإطالة بقاء الديكتاتورية الدينية المناهضة للشعب بكل ما تحمل الكلمة من معنى.