الثورة المناهضة للشاه عام 1979: روح صمود عالية لا تقهر للنساء الإيرانيات
تخليدا لذكرى الدور الشجاع الذي لعبته النساء السجينات والمعذبات على يد نظام الشاه
كانت الثورة المناهضة للشاه عام 1979 لحظة حاسمة في تاريخ إيران، ونهاية عقود من دكتاتورية الشاه وبداية عهد جديد من الأمل في لتحقيق الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وتحت تأثير المثل التقدمية السامية لحركتي مجاهدي خلق وفدائيي الشعب لعبت النساء دورا مهما في هذه الثورة.
على الرغم من القمع الوحشي من قبل شرطة الشاه السرية المعروفة بـ (سافاك) ناضل هؤلاء النساء بلا كلل من أجل مستقبل أفضل لهن ولوطنهن، ولقد عانين من السجن التعذيب لا بل وخاطرن بالموت على طريق الحرية، وكان هؤلاء النسوة الشجعان نماذج متألقة للمقاومة والإلهام للأجيال القادمة.
أسماء خالدة جسدت أعلى قيمة للإنتماء والوطنية الصادقة والوفاء والتضحية والشرف والإيثار، ومن هذه الأسماء المُكرمة: فاطمة أميني، أشرف رجوي، أشرف أحمدي ، زهرا نوروزي ، معصومة شادماني وجاله داعي.. اللواتي كن من بين السجينات السياسيات لنظام الشاه اللواتي تحملن الكثير من المعاناة والعذاب من قبل السافاك.
هؤلاء النساء وتضحياتهن مثالٌ لا زال حياً بيننا، وتذكيرٌ بقوة الروح البشرية وأهمية النضال من أجل العدالة، ويستمر إرثهن إلى اليوم مُلهِماً لنساء إيران والعالم.
جالة داعي الإسلام سجينة سياسية سابقة في عهد الشاه
جالة داعي الإسلام وهي عضوة الآن في منظمة مجاهدي خلق، اُعتُقِلت وسُجِنت في سن 15 عاما من قبل شرطه الشاه السرية المعروفة بـ (سافاك)، وشهدت على سوء المعاملة الوحشية مع السجناء في تلك الحقبة البغيضة.
اُعتُقِلت جاله عام 1977، وأسدلوا في رأسها غطاء واقتادوها إلى أحد مراكز الاعتقال المخيفة التابعة للشرطة السرية المعروف باللجنة المشتركة بين السافاك والشرطة.
وقالت: عند دخول إلى اللجنة والمرور في طوابقها وممراتها ، ولكوننا مكرهين على ذلك الغطاء في رؤوسنا كي لا نرى المكان ولا نرى سوى الأرض وأرجل الأشخاص، كان أول مشهد رأيته هو أن كل أقدام السجناء التي رأيتها كانت جميعها دامية متورمة واضحة عليها أثار الجلد، وكانت أقدام وسيقان بعضهم متورمة وقد تقيحت حتى ركبهم، ويجلسون ويحركون أنفسهم زحفا على الأرض.”
أمضت جاله بضعة أشهر في هذا المكان المرعب، وتم نقلها بعد ذلك إلى عنبر النساء في سجن ”قصر“ حيث تم يُحتجز هناك ما لا يقل عن 100 سجينة سياسية من جميع الأعمار.
تقول جالة: “حسب ما أذكر، لم يكن يستثنى أحدا هناك من الجلد والتعذيب، سواء كانت أُماً أو مريضةً أو مسنة أو حدث صغيرة السن، وهناك رأيت العديد من التلاميذ من نفس عمري.”
فاطمه اميني
أصبحت فاطمه أميني نموذجا يحتذى به في نضالات النساء التحررية وقد فقدت روحها واستشهدت تحت التعذيب، ولقد بدأت فاطمه أميني نشاطها السياسي كمفكرة محبة للحرية في كلية الآداب بجامعة مشهد وسرعان ما شكلت جمعية المرأة التقدمية.
وباشرت بالتدريس في المدارس الثانوية للبنات بعد تخرجها عام 1965
سافرات إلى طهران في عام 1971 وهناك التقت وتعرفت بمجاهدي خلق التي كانت جماعة سرية معارضة وسرعان ما أصبحت عضوةً فيها،
وقامت شرطة الشاه السرية بإعتقال فاطمه أميني عام 1975 ووضعتها تحت التعذيب.
تعرضت فاطمه للجلد والتعذيب لشهور، وحرقوا ظهرها لساعات متواصلة بموقد كهربائي، ورغم أنها أصيبت بالشلل تحت التعذيب إلا أنها لم تخبر المحققين بأي شيئ حتى إسمها، واستشهدت بالنهاية تحت التعذيب في 16 أغسطس 1975.
كان صمودها ومقاومتها تحت التعذيب مثالاً لا يُنسى للفتيات المحبات للحرية في إيران، وبعد الثورة ضد الشاه عام 1979 تم تسمية عشرات المدارس الثانوية على اسمها.
![الثورة المناهضة للشاه عام 1979](https://women.ncr-iran.org/ar/wp-content/uploads/2023/02/Fatemeh-Amini_FA.jpg)
أشرف رجوي
فقدت أشرف رجوي سمعها بسبب التعذيب الوحشي، لكنها استمرت في النضال من أجل الحرية حتى قُتِلت على يد نظام الملالي عام 1982.
تخرجت أشرف رجوي من قسم الفيزياء بجامعة طهران، لكن قلبها كان ينبض من أجل المحرومين الذين كانوا يعانون في البلد الجالس على بحر النفط.
وعلى الرغم من أنه كان لديها الفرصة في الحصول على حياة جيدة إلا أنها اختارت مساعدة المحرومين.
وعلى هذا المسير تعرفت على منظمة مجاهدي خلق التي كانت منظمة سرية مناهضة للشاه في ذلك الوقت وانضمت إليها في عام 1971.
تم اعتقالها مرتين وتعرضت للتعذيب الوحشي، مرة من سنة 1972 إلى 1974 ومرة أخرى في عام 1976 وهي التي فقدت فيها السمع في إحدى اذنيها على أثر التعذيب.
توضح جاله داعي الإسلام أنها في المرة الأولى التي رأت فيها آثار التعذيب والإصابات الشديدة على جسد أشرف رجوي، لم تحتمل مشاهدتها وفقدت وعيها.
حكم نظام شاه على أشرف بالسجن المؤبد، لكن الشعب الإيراني أطلق سراحها مع آخر مجموعة من السجناء السياسيين في 20 يناير 1979.
وواصلت أشرف نضالها من أجل الحرية ولهذا السبب أتم الملالي أعمال الشاه غير المكتملة كخلفاء له، ونالت أشرف رجوي الشهادة في 8 فبراير 1982.
وعلى هذا النحو أصبحت حياة أشرف وموتها طريقا ومسلكا لجيل من المجاهدات أصبح على عاتقه اليوم قيادة وتوجيه المقاومة الإيرانية.
![الثورة المناهضة للشاه عام 1979: روح صمود عالية لا تقهر للنساء](https://women.ncr-iran.org/ar/wp-content/uploads/2023/02/Ashraf-Rajavi_FA.jpg)
معصومه شادماني
كانت معصومه شادماني المعروفة باسم الأم كبيري إمرأة ذات روح معنوية عالية، وعلى الرغم من التعذيب الوحشي الذي تحملته كانت مصدر إلهام لرفاقها السجينات.
كانت معصومه شادماني أو الأم كبيري من بين المجموعة الأخيرة من السجناء السياسيين الذين أُطلقوا سراحهم من سجون الشاه قبل حوالي 10 أيام من قيام الثورة المناهضة للشاه عام 1979.
كانت معصومه شادماني تبلغ من العمر 40 عاما ولديها خمسة أبناء عندما انضمت إلى منظمة مجاهدي خلق الإيرانية، واعتُقِلت عام 1975 وتعرضت للتعذيب الوحشي، وكان المحققون يعرفون كل شيئ عن أنشطتها لكنها لم تتفوه بكلمة واحدة تحت التعذيب.
تقول جاله داعي إن ساقي الأم كبيري تشوهتا تحت التعذيب وبالكاد كانت تستطيع المشي.
لكن كان لدى الأم كبيرى روح معنوية عالية على الدوام وترفع من معنويات سائر السجينات، وقد حكمت عليها محكمةٍ ابتدائيةٍ بالإعدام الحكم الذي خُفِفَ فيما بعد إلى السجن المؤبد.
وكانت قد قضت في السجن خمس سنوات عندما أُطلِق سراحها في أحداث الثورة المناهضة للشاه عام 1979 على يد الشعب الإيراني.
وأُعدِمت الأم كبيري بعد ذلك بسنتين من قبل نظام خميني.
![الثورة المناهضة للشاه عام 1979: روح صمود عالية](https://women.ncr-iran.org/ar/wp-content/uploads/2023/02/Massoumeh-Shademani.jpg)
أشرف أحمدي
امرأة إيرانية شجاعة أخرى من النساء الإيرانيات الشجاعات تعرضت للتعذيب على يد شرطه الشاه السرية وكانت أشرف أحمدي التي كان لديها أربعة أبناء وسُجِنت لمدة ثلاث سنوات في سجون نظام الشاه.
بدأت أشرف أحمدي نشاطها مع منظمة مجاهدي خلق عام 1972 وكان شقيقها الأكبر سجينا سياسيا، وكانت حامل في المرة الأولى التي تم فيها اعتقالها عام 1976 وكانت تعاني من أزمة قلبية أيضا ومع ذلك وضعها جهاز السافاك تحت التعذيب الوحشي وهي على هذه الحالة لإنتزاع إعتراف منها.
بقيت أشرف قويةً ومقاومةً تحت التعذيب وعلى الرغم من أن لديها معلومات واسعة حول أنشطة مجاهدي خلق إلا أنها لم تحرك شفتيها بحرف، وحُكِم عليها بالسجن 15 عاما، ولكن بعد ثلاث سنوات أُطلِق سراحها بالضبط قبل إسقاط الشاه.
اُعتُقِلت أشرف أحمدي مرة أخرى في عهد نظام الملالي، وكانت واحدةً من الـ 30000 سجين سياسي الذين قُتِلوا سنة 1988 في مجازر الإبادة الجماعية.
![أشرف أحمدي](https://women.ncr-iran.org/ar/wp-content/uploads/2023/02/Ashraf-Ahmadi.jpg)
زهرا نوروزي
مثال حي آخر على المقاومة البطولية تحت التعذيب في سجون الشاه زهرا نوروزي أو الأم رضائي.. الأم التي فقدت أبنائها الثمانية وأقاربها في ظل سلطة حكم دكتاتوريتي الشاه والشيخ.
اُعتُقِلت الأم رضائي وبناتها سنة 1976 من قبل شرطة الشاه السرية (السافاك)
أوضحت الأم رضائي ذات مرة تقول : “في البداية كان التعذيب شديدا وجلدوني أربع مرات حتى تشوهت قدماي مثل جميع أبنائي، كانت إحدى قدماي أفضل لكن ساقي اليسرى كان وضعها حرجا للغاية لدرجة أنه عندما جلدوني بالمرة الأخيرة لم تعد هناك حياة في جسدي وظننت أنني سأموت الآن ونطقت بالشهادة، ثم عندما رأوا أنني لا أتحرك توقفوا عن جلد قدمي لكن الجلاوزة ”منوجهري“ ظل يجلدني بشكل متواصل على رأسي وأذني وظهري قائلاً: “قولي من أعطيت بالنقود، ولمن أعطيت النقود؟” وأنا أيضا قلت لم آخذ نقوداً من أحد ولم أعطي نقوداً لأحد…
ثم نادوني بعد ليلة إلى غرفة الجلاد ”رسولي“ بالطابق العلوي وجلدوني مرة أخرى … بدأت ساقاي تنزف مرة أخرى وقد سقطت على الأرض وكان منوجهري قد وضع قدمه على ظهري ويضغط بها.
ثم علقوني، قام اثنان منهم بتقييد يدي إلى النافذة وسحب الكرسي من تحت قدماي ثم علقني منوجهري من يد واحدة اليدة التي كانت متوردة جدا ثم رماني على الأرض ووضعوني بالسجن الإنفرادي وكانت قدماي قد التهبت وتقيحت تماما.
قضيت عدة أشهر بالحبس الانفرادي في زنزانة اللجنة، ولمدة عام في سجن إيفين دون أدنى خبر حتى عن أبنائي الصغار، ثم حاكموني في محاكمهم السخيفة وحكموا عليّ بالسجن ثلاث سنوات.”
![زهرا نوروزي](https://women.ncr-iran.org/ar/wp-content/uploads/2023/02/Aziz-Rezaii.jpg)
***
كانت هذه نبذة عن مظالم نظام الشاه، وإن شجاعة هؤلاء النساء لشهادة على تأثير النساء الإيرانيات في الثورة المناهضة للشاه عام 1979، إنهن رموز للمقاومة وكذلك مُلهِماتٌ للأجيال المتعاقبة في النضال من أجل الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وبعد منتصف عقد السبعينيات من القرن الماضي شكلت أمهات وأهالي السجناء السياسيين والشهداء جوهر المقاومة الأولى.
شهدت الأشهر الأخيرة التي سبقت الثورة المناهضة للشاه عام 1979 مشاركة واسعة النطاق للنساء والفتيات في جميع مدن البلاد، وظهرت المرأة كقوة جديدة جادة في ثورة 1979 ولعبت دورا مهما جديرا بالإهتمام، ولم يتوقفن وكن في كل مكان مع الرجال بخطوة بخطوة.
كانت أبعاد مشاركة المرأة في ثورة 1979 التي أسقطت الشاه أبعاداً غير مسبوقة في تاريخ إيران، لقد كانت خطوة كبيرة إلى الأمام بالنسبة للنساء الإيرانيات اللائي واصلن نضالهن الإيثاري (المضحي) ضد دكتاتورية الملالي الأكثر وحشية.
تقدمت المرأة الإيرانية إلى الأمام بحيث أخذت على عاتقها قيادة القوة الرئيسية بالمعارضة الإيرانية (منظمة مجاهدي خلق) منذ أكثر من ثلاثة عقود ، وهي اليوم مصدر إلهام للقيادة النسائية في الثورة الإيرانية.
النساء الإيرانيات، والشعب الإيراني بشكل عام يقولون جميعا لا لجميع أشكال الدكتاتورية كما سمعنا، في كل فرصة لهم في إيران وخارج إيران كانوا يهتفون بشعار: “الموت للظالم سواء كان الشاه أو خامنئي.”
نساءُ إيران ينظرن إلى المستقبل وليس الماضي، ويردن جمهورية ديمقراطية حرة معاصرة ، مع فصل الدين عن الدولة، والمساواة بين الرجل والمرأة، جمهورية لا تعذيب فيها ولا إعدامات، جمهورية بدون شرطة السافاك السرية، وبدون الحرس.