التحقيق في تسميم طالبات المدارس المروِّع في إيران
كان تسميم الشابات والهجوم الكيميائي على المدارس الثانوية للبنات أحد الأخبار المهمة في إيران، خلال شهري فبراير ومارس. يبدو أن هذه الإجراءات الوحشية والاغتيال السياسي البيولوجي هي آخر محاولة للنظام الإيراني لقمع الاحتجاجات والثورة المستمرة منذ ستة أشهر بقيادة الشابات والطالبات.
إن حوادث التسميم المتسلسلة بالغازات السامة تذكِّرنا بجرائم النازيين ضد اليهود في معسكرات الاعتقال والعمل بالسخرة مثل معسكر أوشفيتز، وتحاكي وحشية نظام الملالي.
تدل هذه الجريمة ضد الإنسانية غير المسبوقة على مدى استعداد الملالي للانتقام من الشابات والفتيات الشجاعات اللواتي يتحدَّين سلطة الملالي، ويمزِّقن صور الولي الفقيه، علي خامنئي ويرددن شعار “الموت لخامنئي”، ويقفن شامخات متمردات في وجه نظام الملالي بأكمله.
حجم الكارثة التحذيري: إصابة 13000 طالبة
على الرغم من مرور أكثر من 3 أشهر على هذا الحادث، ما زال تسميم الطالبات في المدن في جميع أنحاء إيران مستمرًا. بدأ كل شيء بالهجوم الكيميائي الأول على مدرسة نور الثانوية الصناعية للفتيات في قم، في30 نوفمبر 2022.
اقتصر تسميم الطالبات في الغالب على مدارس قم حتى 14 فبراير 2023. بيد أن مدرسة ثانوية للبنات في طهران تعرضت للهجوم في 14 فبراير 2023، ومنذ ذلك الحين انتشرت الهجمات الكيميائية في جميع أنحاء البلاد.
واستنادًا إلى تصريح سعيد كريمي، مساعد وزير الصحة، فإنه قد تم نقل 13,000 طالبة إلى المراكز الطبية لتلقي العلاج من التسمم. (موقع “مشرق”، 13 مارس 2023).
والأنكي من ذلك هو أن الأطباء يحذرون من أن هذه الأعراض قد يكون لها عواقب طويلة المدى على صحة الطالبات، ومن بينها الإصابة بسرطان الجِلد.
وامتد نطاق التسميم الآن من المدارس الثانوية إلى المدن الجامعية للطالبات في كرج، وأصفهان وأذربيجان، ومدينة بروجرد (بمحافظة لرستان) وأردبيل، وكذلك إلى بعض المدارس الابتدائية ومحطة مترو طهران.
لسوء الحظ، فقدت فتاة تبلغ من العمر 11 عامًا تدعى فاطمة رضائي، وطالبة في الصف الأول تدعى رهام شاهويسي حياتهما؛ بسبب الهجوم الكيميائي على مدرستهما.
كما نُشرت تقارير غير مؤكدة عن وفاة صبيتين تدرسان في مدرسة ابتدائية في مدينة مرند، في 7 مارس 2023؛ تدعيان فاطمة مهدي زاده، وشبنم جمشيدي.
مشاهد مروِّعة لتسميم طالبات المدارس
أبلغت المئات من الطالبات عن شعورهن بالغثيان والدوار وضيق التنفس بعد استنشاق رائحة كريهة أو غير معروفة.
تقول إحدى الطالبات : “كانت هناك رائحة كريهة للغاية في الهواء، وشعرت بالدوار وسقطُّ على الأرض”. وتصف فتاة أخرى تجربتها، قائلة: “عندما هممت إلى الوقوف شعرت بالدوار وارتجف جسدي بشدة لدرجة أنني لم أقوى على المشي”. إلا أن فتاة أخرى قالت: “أشعر بألم في صدري وترتجف ساقاي عندما أحاول المشي”.
وصف شهود عيان مشاهد ممزقة لنياط القلب لفتيات يبكين ويسقطن على الأرض. وكانت بعضهن ضعيفة لدرجة أنهن لم يكن قادرات حتى على المشي، بيد أنهن لم يكن على استعداد لترك صديقاتهن وشأنهن. قالت إحدى الطالبات : “لم يسمحوا لنا بالعودة إلى المنزل، وكانوا يجبروننا على البقاء في المدرسة. في البداية استنشقت رائحة قوية جدًا وسرعان ما تدهورت صحتي.
كما أبلغت طالبات كلية العلوم الأساسية بجامعة محقق أردبيلي بأردبيل، يوم الإثنين، 6 مارس 2023، عن مشاهد مروعة لتسممهن. واستنادًا إلى قول الطالبات، فإنه تم في البداية قطع التيار الكهربائي، مما تسبَّب في توقف نظام التهوية، ثم انبعث الغاز، وركضنا جميعًا إلى خارج المبنى، بيد أن بعض الطالبات أُصبن بالتسمم”.
وتدفق أولياء أمور الطالبات المسمومات في شوارع طهران وغيرها من المدن للتعبير عن غضبهم وخيبة أملهم. ويعتقد أولياء الأمور اعتقادًا راسخًا بأن الهجمات الكيميائية كانت مستهدِفة للطالبات ومتعمدة. ويدينون صمت المسؤولين وتقاعسهم عن تناول هذه القضية.
الأدلة على تورط الحكومة
هناك أدلة كثيرة على تورط الحكومة في هذه الهجمات المروِّعة. ولعل أهم دليل هو تقاعس نظام الملالي عن تناول هذه القضية، خلال الأشهر الـ 3 الماضية. كما كتب موقع “دنياي اقتصاد”، في 10 فبراير 2023، أن: “حالات التسميم المريرة والمريبة في مدارس محافظة قم تذكِّر أبناء الوطن بحادثة الاعتداءات على المواطنين بالأحماض في أصفهان، والتي لم يتم البت في قضيتها حتى الآن، ولا يزال الضحايا يعيشون طي النسيان”.
فضلًا عن ذلك، أفاد موقع “تابناك” الحكومي، في 25 فبراير 2023 بتوزيع رسائل سرية منسوبة لأتباع ولاية الفقيه، وهي مجموعة متعصبة تابعة للولي الفقيه، على خامنئي. والجدير بالذكر أنهم يعتبرون تحصيل الفتيات للعلم حرام واستمراره يعني الإصرار على محاربة إمام الزمان، ويهددون بالتمادي في تسميم مدارس البنات على نطاق أوسع في جميع أنحاء إيران ما لم يتم إغلاقها”.
ويثير نشر وسيلة إعلام حكومية مثل هذه التهديدات أسئلة جدية حول تورط نظام الملالي في تسميم الطالبات.
كما أشار موقع حكومي آخر، يدعى “بهارنيوز”، في 27 فبراير 2023، إلى تقاعس نظام الملالي عن تناول هذه القضية، وكتب: “يدعي النظام الأمني أنه اعتقل شخص ما كأنه يبحث عن لص في الظلام، وأنه يعترض أنشطة المخربين قبل تنفيذها. بيد أن بعض الحالات، من قبيل الاعتداء بالحامض على الفتيات في أصفهان وتسميمهن لم تترك أي أثر في ذاكرة قوات الأمن حتى الآن، على الرغم من مرور 100 يوم! “
وأفاد نفس المصدر بأن مساعد البحث العلمي بوزارة الصحة اعترف بأن تسميم الطالبات كان متعمدًا وقال إن البعض يريدون إغلاق مدارس البنات كافة.
وعلى الرغم من هذه الأدلة، حاول نظام الملالي إلقاء اللوم على أجهزة المخابرات الأجنبية. وادعى مذيع التلفزيون الحكومي، في 4 مارس 2023، أن جهاز تجسس غربي هو المتورط في سلسلة عمليات تسميم الطالبات.
بيد أن هناك تقارير عديدة عن الاعتداءات المنهجية الواسعة النطاق على المدارس في جميع أنحاء البلاد. فعلى سبيل المثال، بادر مدير مدرسة ثانوية للبنين ومسؤوليها في إيلام بتهديد الطلاب وإجبارهم على التزام الصمت بشأن الهجوم الكيميائي. وأغلق مدير مدرسة ثانوية أخرى للبنين في نقدة؛ الباب في يوم الطالب ومنع الطلاب من الخروج والدخول.
وقاموا في مدرسة ثانوية للبنات في زنجان بنقل العديد من الطالبات إلى المستشفى برفقة رجال الأمن المتنكرين في ملابس مدنية ورجال الشرطة. ولم يسمح ضباط الأمن للطاقم الطبي بتسجيل هؤلاء المريضات، وبأخذ عينات من الدم منهن لتحليلها.
ويفيد تقرير موقع “سكاي نيوز” الإخباري بأن شاهد عيان أبلغ عن أن: “قوات الأمن وصلت إلى المدرسة وأمرت الموظفين والمدرسين بعدم التحدث عن الهجوم مع أي شخص، وإذا سأل أحد عمَّا حدث فعليهم أن يقولوا إن رائحة الغاز وتسميم الطالبات ناجم عن كسر أنابيب التدفئة المركزية”.
كما شكك مسعود بزشكيان، عضو لجنة الصحة والعلاج بمجلس شورى الملالي؛ في أداء الأجهزة الأمنية، متسائلًا: “كيف لا يكون النظام الأمني على علمٍ بهذه القضية علمًا بأنه هو المكلف بإجراء التحقيقات وبالملاحقات والاعتقالات في أقصر وقت ممكن في حالة حدوث أي مشكلة؟ إن عدم تصدي النظام الأمني في البلاد للمتورطين في حالات التسمم لأمر مشكوك فيه وغير مقبول”. (موقع “ديدبان إيران” الحكومي – 6 مارس 2023).
عندما يتم جمع كل هذه الأدلة، فإنها تشير إلى تورط النظام الإيراني وقوات حرس نظام الملالي في سلسلة عمليات التسميم المذكورة.
تقارير متناقضة ونفي كامل من قِبل مسؤولي نظام الملالي
يسعى نظام الملالي بعبثية إلى التستر على الحقيقة ودوره الإجرامي في مسلسل تسميم الطالبات. وعلى الرغم من مرور أكثر من 3 أشهر، لا يزال هذا النظام الفاشي ينشر الأكاذيب والتصريحات المتناقضة حول هذه الجريمة.
كانت سلطات نظام الملالي تنكر في البداية حادث التسميم برمته.
فعلى سبيل المثال، اعتبر سيامك محبي، مساعد رئيس جامعة قم للعلوم الطبية؛ أن التنفس السريع للطالبات وتوترهن هو السبب في هذه الأحداث، وقال إن عينات دم الطالبات كانت طبيعية”. كما قال محسن صفائي فراهاني، عضو مجلس شورى الملالي: “لقد تمت المبالغة في تضخيم الحدث” (صحيفة “دنياي اقتصاد” – 6 فبراير 2023).
وقال وزير التربية والتعليم في حكومة إبراهيم رئيسي، يوسف نوري، في 15 فبراير 2023 إن: “معظم حالات تسمم الطالبات في قم ناجمة عن إشاعات أفزعت المواطنين والطالبات. ووردنا تقرير من الجهات المختصة يزعمون فيه أنه ليس هناك أي مشكلة على الإطلاق…إلخ، وأن بعض الطالبات توجهن الى المستشفى. واحتجز الأطباء بعضهن، نظرًا لأنهن مصابات بأمراض مزمنة”. (موقع “دنياي اقتصاد” الحكومي – 15 فبراير 2023).
كما ادعى وزير التربية والتعليم، يوسف نوري، في 15 فبراير 2023، أن حالات التسمم ناجمة عن بعض الإشاعات التي أفزعت المواطنين والطالبات، وأنه ليست هناك أي مشكلة، وقال إن نقل الطالبات إلى المستشفى يرجع إلى إصابتهن بأمراض مزمنة. (صحيفة “دنياي اقتصاد” – 15 فبراير 2023).
كما قال وزير الداخلية في نظام الملالي، أحمد وحيدي، في 1 مارس 2023، إن: “أكثر من 90 في المائة من حالات التسمم ليست ناجمة عن عوامل خارجية، ومعظمها ناجم عن الضغوط والقلق ؛ بسبب إثارة هذه القضية … إلخ. وحتى الآن، لم يتم العثور على حالات يمكن القول بشكل قاطع إنها مرتبطة بعامل معين”. (وكالة “تسنيم” الحكومية للأنباء – 1 مارس 2023).
بيد أنه بعد احتجاجات المواطنين على تقاعس نظام الملالي، اضطر بعض مسؤولي هذا النظام الفاشي إلى الاعتراف باتخاذ إجراءات متعمدة والتورط في هذه الحوادث.
بعث محمد جعفري منتظري، النائب العام لنظام الملالي؛ برسالة إلى المدعي العام في مدينة قم، في 20 فبراير 2023، ورد فيها: ” وردت أنباء عن أن هناك اتجاه مقلق لنوع من التسميم في بعض المراكز التعليمية في مدينة قم؛ تشير إلى احتمال ارتكاب أعمال إجرامية متعمدة”. (وسائل الإعلام الحكومية – 20 فبراير 2023).
وقال نجف آبادي، عضو لجنة الصحة والعلاج في مجلس شورى الملالي: “إن الحدث متعمد سواء في قم أو في بروجرد. وتدخَّل وزير المخابرات في هذه القضية، بيد أنه للأسف لم يقدم تقريرًا للمجلس المذكور”. (موقع “اقتصاد آنلاين” الحكومي – 26 فبراير 2023).
وقال مساعد وزير الصحة، يونس بناهي: “يرغب بعض المواطنين في إغلاق جميع المدارس، ولا سيما مدارس البنات. واتضح حتى الآن أن تسميم طالبات مدارس مدينة قم ناجم عن مركبات كيميائية من النوع المتاح للجمهور”. (موقع “تابناك”الحكومي – 27 فبراير 2023).
وقالت فاطمة مقصودي، عضوة مجلس شورى الملالي عن مدينة بروجرد: ” إن نتائج فحص كاميرات المراقبة الأمنية للمدارس بواسطة قوات الأمن؛ تشير إلى أن ما حدث ليس غير طبيعي فحسب، بل إنه متعمد أيضًا”. (صحيفة “هم ميهن” الحكومية – 27 فبراير 2023).
وقال رئيس جمهورية نظام الملالي، إبراهيم رئيسي، مشيرًا إلى تقرير وزير المخابرات: “إن هذه الخطوة حلقة أخرى من سلسلة مؤامرات العدو ؛ تم تنفيذها لتأجيج الغضب في المجتمع وتعكير صفو الرأي العام وبث الذعر في نفوس أبناء هذا الوطن. ويجب اجتثاثها والتعامل معها بجدية”. (وكالة ” تسنيم” الحكومية للأنباء – 6 مارس 2023).
وفي الوقت نفسه كسر علي خامنئي صمته بعد 100 يوم، وقال: “على المسؤولين وجهازي المخابرات والشرطة أن يتابعوا الأمر بجدية … إلخ. وإذا كان هناك بعض الأشخاص متورطون في هذا الحادث فلا بد من توقيع أشد العقوبات على العملاء والجناة …إلخ. وإذا تم التعرف على بعض الأشخاص وإدانتهم باعتبارهم متورطين في هذه الجريمة، فلن يتم العفو عنهم بأي شكل من الأشكال”. (موقع خامنئي – 6 مارس 2023).
بيد أن هذه التصريحات المتناقضة تتعارض مع الادعاءات الأولية لمسؤولي نظام الملالي الذين كانوا ينفون اتخاذ أي إجراء متعمد.
المحاولات اليائسة للتستر على الجريمة
أبلغت صحيفة “آرمان ملي”، في 12 مارس 2023، عن اعتقال 5 أشخاص من المتورطين في تسميم الطالبات في 7 مدارس في مدينة لار بمحافظة فارس. ويفيد هذا التقرير بأن كبار المسؤولين في الدولة والجيش كانوا قد أعلنوا في وقت سابق عن اعتقال مرتكبي سلسلة عمليات التسميم المستمرة المشار إليها، والتي بدأت في شهر ديسمبر في بعض مدارس البنات. وأضافت الصحيفة المذكورة: “أن النقطة المثيرة للاهتمام في تقرير هيئة الإذاعة والتلفزة هي أن المتهم الرئيسي في هذه القضية كان قد أعد موادًا سامة بالتعاون مع ابنته، واستخدمها في تسميم الطالبات في 7 مدارس في مدينة لار. وأنهما كانا يقومان بإعداد فيلم لتسميم الطالبات لإرساله إلى شبكات أجنبية. كما أن هدفهم هو جعل الناس متشائمين من الولي الفقيه. وتم عرض الفيلم والتحدث إلى مسؤول أو اثنين، وأخيرًا، تم عرض أرجل المعتقلين الذين كانوا يرتدون السراويل الزرقاء الخاصة بالسجناء”.
ولم تتوقف حالات التسميم، على الرغم من الاعتقالات. وفي تقرير بشأن تسميم عدد من الطالبات في إيران، قالت لجنة حقوق الإنسان بالسلطة القضائية: “إن ما لا يقل عن 10 في المائة من الطالبات قد استنشقن مادة منبهة، وأن هذه المادة ليست من نوع الغازات الحربية ولا خطيرة ولا مميتة، وأن معظم الطالبات تأثرن بالتأثيرات النفسية والقلق”. (موقع “تابناك” – 11 مارس 2023).
وقال المساعد السياسي والأمني لحاكم مدينة برديس، في 3 مارس 2023، إن: “الأدلة تشير إلى أن وقوف ناقلة الوقود بالقرب من المدرسة هو السبب في تسميم الطالبات في مدرسة خيام بمدينة برديس”. (وكالة “ركنا” الحكومية للأنباء – 3 مارس 2023).
لا يزال بعض مسؤولي نظام الملالي ينكرون تمامًا وجود حالات التسميم. فعلى سبيل المثال، قال محمدرضا كلانتر معتمدي، سكرتير أكاديمية العلوم الطبية، في هذا الصدد: “لا داعي للقلق على الإطلاق، لأنه لا يوجد أي مريض على الإطلاق”. وهذه مظاهر سيكولوجية لمريض ما، حيث أنه عندما يقول شخص ما أنه مصاب بهذه الحالة، يعتقد الجميع أنهم على علم بذلك ويشعرون أيضًا بنفس الإحساس. ليس هناك أي حالة تسميم. إن هذه الهستيريا هي حالة يعتقدون فيها نفسيًا أن شيئًا ما قد حدث، ولا يعني ذلك أنه قد وقع حادث جسدي حقًا”.
ذكرت وزارة الداخلية في نظام الملالي، في مشهد مفبرَك مضحك؛ اعتقال “أكثر من 100 شخص من العناصر المتورطة في الأحداث الأخيرة في المدارس”، وأعلنت أن بعضهم بادروا بدافع الشيطنة أو المغامرة بالقيام ببعض الإجراءات، من قبيل استخدام المواد الكريهة الرائحة … إلخ، بهدف إغلاق الفصول الدراسية… إلخ. “.
تهديد الطاقم الطبي وإجباره على التزام بالصمت
أعرب الطاقم الطبي والأطباء عن قلقهم بشأن حوادث التسميم، وقالوا إن الغازات السامة التي تم استخدامها ليست متاحة للجمهور بسهولة، ويتم تركيبها واستخدامها بذكاء. وأكد محمدرضا هاشميان، المتخصص في وحدة العناية المركزة بمستشفى مسيح دانشواري؛ على أنه يجب الإسراع قدر الإمكان في تحديد مصدر هذا التسميم حتى يتمكن الأطباء من استخدام النقيض المناسب (مضاد سمي) لهذا التسمم وتحديد الدواء الذي يجب استخدامه لعلاج المصابين”. (صحيفة “هم ميهن”- 3 مارس 2023).
بيد أن الأطباء والممرضات يخشون الإدلاء بمعلومات عن المصابات؛ لأنه طُلب منهم عدم الحديث في هذا الصدد وعدم الإدلاء بأي معلومات، وأن هذا أمر صادر من كبار المسؤولين ووزارة الصحة.
ويتهم الطاقم الطبي والمعلمون مسؤولي نظام الملالي بالسعي إلى إسكات الضحايا. هذا ويمنع مسؤولو وزارة الصحة والمستشفيات؛ الأطباء من إطلاع أولياء أمور الطالبات المصابات بالتسمم على نتائج الاختبارات.
قال هادي عبداللهي، طبيب الطوارئ في مستشفى فياض بخش بطهران: “من المؤكد أن الغازات التي يتم الحديث عنها ليست متاحة للجميع، وقد تؤدي حالات التسميم هذه في المستقبل إلى تحولات جينية أو مضاعفات غير معروفة.
استهداف العائلات والنشطاء
يتخذ نظام الملالي إجراءات قميعة ضد العائلات والنشطاء الذين يسعون إلى تحقيق العدالة للضحايا؛ بدلًا من استهداف مرتكبي عمليات التسميم هذه.
فعلى سبيل المثال، تم القبض في 6 مارس 2023، على صحفي كان قد كتب تقريرًا لأول مرة عن التسميم في مدارس البنات في مدينة قم. كما استجوب ضباط الأمن عددًا من الضحايا وأهالي الطالبات المسمومات.
وقامت العائلات والطالبات بتنظيم وقفة احتجاجية، في أعقاب تسميم طالبات المدارس الثانوية بطهران، وتحديدًا في 1 مارس 2023. بيد أن رجال الأمن المتنكرون في ملابس مدنية اعتدوا بوحشية على والدة إحدى الطالبات أمام مدرسة 13 آبان الثانوية بطهران. وتم نشر مقطع فيديو لهذا الاعتداء على وسائل التواصل الاجتماعي.
هذا ونظم أهالي الطالبات المسمومات المزيد من الاحتجاجات مرة أخرى، في 4 مارس 2023، إلا أن العناصر القمعية منعتهم من التجمع أمام وزارة التربية والتعليم. وواصلت العائلات احتجاجاتهم أمام إدارات التربية والتعليم في مختلف مناطق طهران. وتعرضوا مرة أخرى لاعتداء قوة شرطة طهران، مما أدى إلى ضرب وسب المشاركين في الاحتجاج واعتقال العشرات منهم.
وتصدى ضباط الأمن ورجال الأمن المتنكرون في ملابس مدنية بوحشية لبعض أولياء الأمور الذين شاركوا في الاحتجاج أمام إدارة التربية والتعليم، في 5 مارس 2023. فيما استخدموا الغاز المسيل للدموع ورذاذ الفلفل، في مدينة رشت، ضد أولياء الأمور المحتجين.
واحتجت عائلات الطالبات المسمومات والمعلمون في عشرات المدن، في 7 مارس 2023. كما احتج طلاب جامعة علامة طباطبائي في طهران على عمليات التسميم، بيد أن قوات الأمن هاجمتهم واعتقلت بعضهم. وتم في اليوم التالي منع 30 طالبًا من دخول هذه الجامعة.
كما استخدمت القوات الأمنية في مشهد وأصفهان ورشت وشيراز ومريوان الغاز المسيل للدموع، واعتقلت عددًا من المتظاهرين.
واعتقلت قوات مخابرات قوات حرس نظام الملالي؛ الناشطة في مجال حقوق المرأة، سهن خسروي، في سنندج، إبّان الاحتجاجات على عمليات التسميم. كما اختطفت قوات الأمن المدرس المتقاعد، بهاءالدين ملكي، في سنندج. وتم اعتقال ”أمين ماهيكير“، البالغ من العمر 34 عامًا، في مدينة سرابله بمحافظة إيلام، بعد احتجاجه على عمليات تسميم الطالبات.
كما أعلن المدعي العام لطهران عن رفع دعوى قضائية ضد المديرين الثلاثة المسؤولين عن الوسائل الإعلامية: هم ميهن، ورويداد 24، وشرق؛ بسبب نشر أخبار تسميم الطالبات. وتم توجيه الاتهام لكل من آذر منصوري، وصادق زيباكلام، ورضا كيانيان بنشر ادعاءات منافية للواقع وكاذبة تمامًا بهدف تضليل الرأي العام ؛ بدلًا من نشر معلومات صحيحة ودقيقة.
دعوة للمحاسبة واتخاذ إجراءات عملية
إن مساعي نظام الملالي لعزو سلسلة تسميم الطالبات في إيران إلى قوى أجنبية هي محاولة يائسة للتستر على دورهم في ارتكاب هذه الجريمة الشنعاء.
إن الأجهزة التابعة لمقر خامنئي، ومن بينها قوات حرس نظام الملالي وغيرها من الأجهزة هي المتورطة في ارتكاب هذه الجرائم. والحقيقة هي أن استمرار تسميم الفتيات في جميع أنحاء البلاد لا يمكن أن يتم بدون تدخلهم.
ويجب على العالم أن يمنع نظام خامنئي من استخدام الخسائر البشرية كنقطة ارتكاز للحفاظ على السلطة. هذا هو نفس الأسلوب الذي استخدمه نظام الملالي خلال حرب الـ 8 سنوات مع العراق، وخلال مجزرة السجناء السياسيين عام 1988، وأثناء أزمة كوفيد – 19.
يجب على المجتمع الدولي ألا يلتزم الصمت تجاه هذه الجرائم. ويجب على منظمة الصحة العالمية إرسال وفد إلى إيران للتحقيق في هذا الحادث المأساوي، ويجب على الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان معاقبة نظام خامنئي على هذه المأساة الإجرامية.
لا يجب على الغرب أن يتقاعس تجاه استمرار الهجمات بالغازات السامة. ويجب إدراج قوات حرس نظام الملالي على القائمة السوداء بوصفها منظمة إرهابية، ويجب محاسبة قادة نظام الملالي في المحاكم الدولية على الجرائم ضد الإنسانية وانتهاكات حقوق الإنسان.
إن لجنة المرأة بالمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية تدين هذه الأعمال الإجرامية التي يرتكبها نظام الملالي، وتدعو إلى اتخاذ إجراءات فورية لمحاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم ومرتكبيها.
وندعو المقرر الخاص المعني بالعنف ضد المرأة بتوجيه تحذير فوري للنظام الإيراني والتحرك للتحقيق في هذه القضية. إن زيارة وفد دولي من الأمم المتحدة لإيران أمرٌ ملح وضروري للغاية. وندعو المجتمع الدولي إلى اتخاذ إجراءات فورية للحيلولة دون توجيه المزيد من الضربات للفتيات الأبرياء في إيران.