شبنم مدد زاده : أصبحت بكلمتين ذات جناحين للعروج

فيما يلي مقتطفات من كلمة السجينة المحررة شبنم مدد زاده في مؤتمر «الدعوة الى العدالة» المنعقد في باريس في 26 نوفمبر بحضور رئيسة الجمهورية المنتخبة من قبل المقاومة الايرانية مريم رجوي:

بسم الله وباسم الحرية

اني خرجت من ايران قبل عدة آشهر.

كنت فتاة في 21 من العمر وطالبة في السنة الثالثة تخصص علوم الكمبيوتر في جامعة اعداد المعلم بطهران حيث خطفني جلادو المخابرات أنا وشقيقي فرزاد وأخذونا معهم الى سجن ايفين سيئ الصيت.

قضيت قرابة ثلاثة أشهر في زنزانات انفرادية في العنبر209 تحت أشد صنوف التعذيب النفسية والجسدية وكان أبشعها تعذيب فلذة أكبادي فرزاد مقابل أعيني.

ثم حكم علي في محكمة تسمى بالثورة بالحبس 5 سنوات مع النفي الى سجن جوهردشت الجهنمي بمدينة كرج.

وطيلة فترة السجن قضيت أيام الحجز في عنابر سجن ايفين وجوهردشت وقاعات قرتشك المرعبة بمدينة ورامين. وخلال مدة 8 أشهر حُرمت في فترات مختلفة من اللقاء والاتصال الهاتفي. ولكننا كنا نربط كل لحظات الصعوبة والمضنية مثل لحظة اعدام زميلتي العزيزة في العنبر المرأة الكردية البطلة «شيرين علم هولي» بصمود الأشرفيين لأنهم كانوا يمثلون لنا ايقونات الصمود والمقاومة.

وبدأت القصة من كلمتين.

بداية كانت كلمة مطبوعة في الصفحة الأولى في جميع كتبي الدراسية في المتوسطة وقبل الجامعة والكتب الخاصة لامتحانات القبول للجامعة.  

والكلمتان هما : «يمكن ويجب» حيث كانتا تلمعان أكثر على صفحات كتابي في كل سنة أكثر من السنة السابقة.

هاتان الكلمتان نبتتا في داخلي وازدهرتا ثم تحولتا الى جرأة وشجاعة صرخة عدم تحمل المذلة في حرم الجامعة عندما كنت أقف وجها لوجه مأموري الحراسة. وعندما كنت أدافع بكل ما كان لدي من قوة مع زملائي في الدراسة عن آخر معقل للحرية. هاتان الكلمتان تحولتا الى الجرأة والإقدام للتحدث عن الحرية وحق التنفس.  

 وأصبحتا طاقة وقوة لديّ عند اللحظات المرعبة التي كانت تخلقها هجمات العملاء على تجمعاتنا واحتجاجاتنا الطلابية… واجتاحت هاتان الكلمتان كل وجودي فأصبحتا قوة ايماني وسر صمودي في الزنزانات الانفرادية. فتمثلتا في صلابة أبديتها بوجه نعرات الوحوش والمحققين. وصارتا ايمانا في داخلي جعلني قوية على كرسي الاستجواب وأنا محاصرة بين 5-6 جلادين للنظام يتحدثون عن الاعدام والتعذيب. هاتان الكلمتان تبلورتا الى الأمل ووهج شمس النصر على مدار السنوات الخمس من سجني، وعندما كانت الجدران ترتفع وتعلو وحينما كانت الأسلاك الشائكة قد أحاطتني من كل الآطراف الأربعة فهاتان الكلمتان أي يمكن ويجب قد صارتا جناحين لي للعروج…

نعم أختي مريم العزيزة اني مع كلمتي «يمكن ويجب» اللتين علمتني اياهما قد تمكنت من فتح الجناح والطيران.

والآن هنا وبالاعتماد على تبلور وجودك بالممكن ويجب، التحقت مثل قطرة ندى من ينبوع نظراتك الفياض الذي كله يقين وايمان بالموجات المتلاطمة في بحر المجاهدين لكي أصل الى الذروة.

الأخت مريم: اني قادمة اليكم من بين الأزقة المهمومة والشوارع الايرانية العاصية من الظلم ومن وسط رافعات الأثقال الخاصة للاعدام  وأحمل على أكتافي معاناة الشعب الايراني لاسيما النساء والفتيات من أبناء وطني. مع سلات مليئة بتحيات المقموعين في ايران  وآمالهم وطموحاتهم. اني انطلقت من وسط الطلاب الايرانيين المناضلين والرافضين للذل وأحمل معي رسائل لك.

اني أحمل معي لكِ رسائل من النساء والفتيات البريئات في سجن ايفين وجوهردشت وقاعات قرتشك بورامين وكجويي بمدينة كرج. اولئك الفتيات البريئات اللاتي يذبلن قبل ازدهار زهرة حياتهن حسب وصفك.

اني قادمة من بين أمثال ريحانه ومن بين مئات من أمثال ريحانه لكي أنقل مفردات الظلم والجور الواقع عليهن.   اولئك اللاتي عندما جلست في حديث قلوبهن، كشفن عن تشردهن والتعذيب الذي مورس عليهن في معتقلات غير قانونية وعن الاغتصاب الذي مارسه عناصر التعذيب.

النساء والفتيات اللاتي عشن ويعشن سنوات طويلة تحت آسوأ الظروف تحت حكم الاعدام واولئك اللاتي يذقن الموت التدريجي في غياهب سجون النظام.

نساء وطني، هن نساء وبنات لمسن مرات عديدة ثقل حبل المشنقة على أعناقهن. وأنا جالست  وتحدثت مع امرأة كانت قد عادت من عالم الموت…

بنات يعتقلن خطأ أو لذنب صغير، ثم يتحولن في منظومة الفساد والدمار للنظام الى عناصر القتل ومدمنات… اني تحدث مع بنت اعتقلت في السابعة عشرة من عمرها بتهمة اختلقها الملالي بالارتباط غير المشروع  والآن هي في السابعة والعشرين من عمرها تحولت الى مدمنة وقاتلة.

أختي مريم العزيزة! اني أنقل كل هذه الآلام اليك لأنك تمثلين العلاج الوحيد لكل هذه الآلام.

الأخت مريم! اني أحمل على أكتافي أعباء كل تلك السنين وتلك الآلام والدموع والهموم لكي أحمل ثقل مسؤوليتي دوما حتى أبقى في كل اللحظات في السعي وبذل الجهد لأنقل طير الخلاص للشعب الايراني الى أرض الأسد والشمس.

أصدقائي الأعزاء  

اني اليوم بينكم أمثل صوت السجناء السياسيين المناضلين والمقاومين في السجون الايرانية المطالب بالحق والعدالة.  وأمثل صوت المواطنين المسيحيين والبهائيين الذين يسجنهم النظام بسبب معتقداتهم. وأمثل صوت النساء المقاومات في السجون. صوت صديقتي العزيزة والمقاومة والبطلة «مريم أكبري منفرد». صوتها وهي أم لثلاثة أولاد وهي بريئة تقبع أكثر من 7 سنين في سجون النظام. عندما اعتقلوها كانت بنتها الصغيرة سارا 4 آعوام ولكنها أبت أن تركع أمام المجرمين في أظلم الأيام واللحظات المضنية. ولو مريم طيلة هذه السنين السبع كان قلبها يحترق مثل الجمرة بسبب بعدها عن أولادها ومازال يحترق وحصتها للقاء 30 دقيقة يجب عليها أن تقسم بين أولادها الثلاثة ولكن رغم كل هذه المصائب لم تترك البسمة شفتيها وهي معروفة بوجهها البشوش.

ومنذ لحظة اعتقالها ولحد الآن تقاضي دوما أمام المستجوبين والحرس من أجل دماء شقيقتها وأشقائها.

وعندما كان يضيق قلبها من شدة الرغبة في احتضان بنتها الصغيرة سارا والمسايرة مع بنتيها الأخريين «بغاه» و«زهراء» عندما بلغتا سن المراهقة كانت تقول لي الآن أدرك حالة شقيقتي رقية في عام 1988 عندما انتزعوا منها بنتها الصغيرة كم تحملت هي من معاناة ولكنها وقفت ماسكة بقضيتها ورحلت.

كانت تقول لي دوما اني أعتقد بحقيقة وهي النقاء والاخلاص وبراءة الشهداء في عام 1981 (وأن المجاهدين هم نور في هذا العالم الظلامي) وهذا هو السبب الوحيد الوحيد لصمودي.

ومن هنا أوجه رسالتي الى صديقتي البطلة مريم وكما وعدتها في آخر وداعي أمام عنبر النساء سأبقى على عهدي معها وأكون صوتها في هذه المقاضاة وسأوصل صوتها الى العالم وأقسم بكل أيامنا المرة والحلوة في السجن أن أبقى جاهدة مع حراك المقاضاة التي رفعتها الأخت مريم وهي الآن في ذروتها حتى نقدم نظام الملالي الوحشي الى طاولة المحاكمة بسبب اعدام آلاف مؤلفة من الأناس الأبرياء.

وأقول لكل الدول الاوروبية والهيئات الدولية اسمعوا صوت الشعب الايراني وصوت أمهات الشهداء وعوائل ضحايا مجازر 1988. واسمعوا صوت السجناء السياسيين في ايران. لقد ضاق الشعب الايراني ذرعا من ظلم واضطهاد الملالي وهم لم يعلقوا آمالهم على أي من أجنحة هذا النظام وأطيافه كون كل هذه الأجنحة ذات لون واحد وهو لون دماء آلاف الأناس الأبرياء. الشعب الايراني يدين العلاقة والصفقة مع النظام ويوجهون رسالة لكم ان بمواصلة هذه العلاقات وباتخاذكم الصمت ستقام خشبات جديدة للاعدام في شوارع ايران وأن الثمن الحقيقي لصفقاتكم هو دماء الأبرياء من الشعب.

الشعب الايراني على يقين من أن اسقاط هذا النظام الذي يعمل على تقويض الانسانية والانسان سيتحقق على يد منظمة مجاهدي خلق الايرانية والمجلس الوطني للمقاومة الايرانية.

والى الأخ مسعود العزيز،

أخي مسعود، عندما أقفل الباب الحديدي للزنزانة 15 في العنبر 209 عليّ، سمعت دوي كلام سيدنا الامام علي في مسمعي على لسانك «تزول الجبال ولاتزل» وأنا كتبت ذلك على جدار زنزانتي بخط عريض.

الأخ مسعود العزيز، اني ربطت في الزنزانات الانفرادية لحظاتي مع ما تعلمت من كلماتك لكي أبقى مرفوعة الرأس.

نحن نزدهر في اعتراضك

ونزدهر في نهضتك وفي مدرستك وفي الدفاع عن ابتسامتك

والآن وبالاعتماد على ثورة مريم في الحرب مع الجلاد نرفع راية مهدية وأكبر وأقسم بالجهود والجهاد من أجل تحرير شعبي وايران أن آبقى مجاهدة حتى آخر قطرة من دمي ورمقي وأن أموت مجاهدة . حاضر حاضر حاضر         

Exit mobile version