ممَن عرفتهم – شمسي براري، البطلة المقيدة بالأغلال
كان اسمها شمسي براري. مواطنة من زنجان وتتحدث بلكنة تركية حلوة …إلخ.
رأيتها عندما دخلتُ عنبر السجن في صيف عام 1982. وكانت تتجول. ونظرت إليَّ في اللحظة الأولى هكذا بعيون سوداء ومستديرة. يبدو الأمر كما لو كنت أعرفها منذ سنوات. في الحقيقة، كانت امرأة بسيطة وطيبة ورحيمة…إلخ.
قالت إنها لديها طفلان، بنت وولد، وهما خارج السجن، وقالت إنها تم اعتقالها بمعية زوجها وشقيقتيها وشقيقها منذ ما يقرب من عام؛ بسبب مساعدة منظمة مجاهدي خلق الإيرانية.
كانت تشعر بالقلق على طفليها طوال الوقت، ولها الحق في ذلك لأنهم كانوا غرباء في تلك المدينة. وكانت تقول: “لو كنت مكاني ولديك فتاة وفتى يبلغان من العمر 13 و 14 عامًا ووحيدان في هذه المدينة التي لا يتوفر فيها الأمن، فماذا كنت فاعلة؟
وكانت تتسكع وتتجول طوال الوقت. وكانت لا تنم ولا تتناول الطعام. وكنت أحاول إخراجها من هذه الحالة بعمل علاقة والمزاح معها حتى لا تكون حزينة لهذه الدرجة.
كانت تنتظر يوم الزيارة طوال الأسبوع لترى طفليها وتعرف حالهما، وكان طفليها يأتيان إليها مسرعان ومندفعان عليها، ودائمًا ما كانت مشتاقة لهما وقلقة عليهما.
وكان طفليها لا يأتيان لزيارتها بعض الأسابيع. وكانت شمسي تقول لهما: “لا بأس، لا تضغطا على أنفسكما. فطريقكم طويل والشوارع مزدحمة”. لكنها كانت دائمًا قلقة على شؤونهما.
ما لم يكن يجب أن يحدث
كان الطقس حارًا جدًا في منتصف الصيف. وكانت الضغوط في السجن مضاعفة … إلخ.
ورأيتها ذات صباحٍ منزعجة وحائرة عندما حان موعد الزيارة، فقلت لها: “لا تقلقي كثيرًا يا شمسي، طفلاكي سوف يأتيان لزيارتك فلا داعي للقلق، وحتى لو لم يأتيا فهما في البيت وفي أمان، فلا داعي للمزيد من تحمل المعاناة وكفاكي معاناة السجن. ولا تقلقي لهذاه الدرجة.
قالت لي: “حلمت بحلم سيئ الليلة الماضية وقلبي مضطرب وقلق على مكروه أخشى أن يحدث. قلت لها: “أنت قلقة كل يوم، وهذا ليس بالأمر الجديد”. وضحكت معها لكي أغير ما تعيش في من جوء سيئ.
ومر الوقت. وتوجَّه الناس مجموعة تلو الأخرى لزيارة ذويهم. وكانت هناك مجموعة ليس لها زيارة أصلا، ومجموعة أيضًا كانت تأتي من المدينة بين الحين والآخر. وكانت هناك بعض العائلات لا تعرف أين أبنائهم.
مرَّ الوقت في ذلك اليوم، ولكن لم يأت أحد لزيارة شمسي.
وعندما اقترب الظهر نادوا اسمها، وتوجَّهت إلى مكتب الأمن …إلخ. كنّا جميعًا خائفين مما يكون قد حدث. وطلبوا منها أن تستعد للخروج في إجازة لعدة ساعات.
ولا أعرف لماذا عندما جاءت كان لونها الأبيض. وكانت ترتجف هكذا. ثم اقتادها الضابط، وكنّا جميعًا قلقون وننتظر أخبارها.
فجأة رأيت إحدى شقيقاتها قادمة. وتجمَّعنا حولها، ونسألها عن سبب نوحها، ولم تستطع أن تنطق بكلمة واحدة.
قمنا بتهدئتها. وقالت: ” عندما كان طفلي شمسي قادمان للزيارة في الصباح، صدمت شاحنة ابنها غلامرضا أثناء عبوره الشارع، وتوفي على الفور. وأخذته شمسي براري وزوجها بمعية الضابط الآن لدفنه، وليس معهم أي شخص آخر ويحملون الجثة على أيديهم. عندئذ كنّا ننظر إليها جميعًا في ذهول.
ومن شدة الذهول سألت نفسي: “هل ما حدث معقول؟ هل ممكن أن يحدث ذلك؟”. ورفعت رأسي الى السماء وقلت: ” يا إلهي، لا أعرف الحكمة فيما شئت، ولكن لماذا يحدث ذلك؟
كنّا جميعًا مرتبكون وفي حيرة من أمرنا لهذه الدرجة، ولم نكن نعرف كيف نواسيها ونخرجها من كبوتها عندما تأتي.
أحيانًا ما يكون الألم كبيرًا لدرجة أنه لا يمكن وصفه، ولا يمكن للمرء في هذه الحالة أن يصرخ ولا يمكنه التزام الصمت!
ومرَّت تلك الساعات القليلة عليَّ مثل الأيام والأسابيع. وكنت أتخيل وجه شمسي طوال الوقت، وأسال نفسي: كيف حالها الآن؟ ومن الذي يواسيها؟ ومن الذي ساعدها في التكفين والدفن في هذه المدينة الغريبة؟
وعادت شمسي بعد 6 ساعات. وبدا سنها أكبر بعدة سنوات خلال هذه الساعت القليلة من شدة الكرب. ولم يكن من السهل التعرف على وجهها. إذ كانت منهمكة في البكاء ليس إلا.
وكانت تقول بلهجتها التركية الحلوة: “والده قبَّله ووضعه في القبر بيديه. يا إلهي أنت علام الغيوب وشاهد على ما حدث …إلخ.
وانهمك الجميع في البكاء عند سماع هذا الخبر. والدموع التي كانت تنهمر من العيون عند النوم تحت البطانية في هذه المرحلة مهمة ولها قيمتها.
تساءلت الحارسة: لماذا بدأتم الحداد؟ ما الخطب؟ قالوا إنه لم يكن هناك إعدام. كل ما حدث هو أن شاحنة صدمت فتى يبلغ من العمر 14 عاما وتوفى! والنساء العاديات اللواتي كن بجوار عنبرنا كنَّ يبكينَ بعد سماع هذا الخبر، وتمرَّدنَ على الحارسات.
وتجمَّع عدة أشخاص منّا ونظمنا لها مراسم العزاء بأقل الأمكانيات المتاحة.
شمسي براري إحدى شهيدات مجزرة 1988
مرَّت الأيام وانفصلنا عن بعضنا، ولم أعرف شيئًا عن أخبار شمسي براري لفترة. وذات يوم، قال أحد الشباب أنه تم إطلاق سراحها بعد عامين من السجن المؤقت.
وسمعت فيما بعد من الشباب الذين كانوا في السجن أنه تم اعتقال شمسي مرة أخرى في عام 1986 بتهمة مساعدة مجاهدي خلق، وظلَّت في سجن مشهد (وكيل آباد) حتى أغسطس 1988.
ونادوا على اسم شمسي براري وعدة أفراد آخرين، في منتصف إحدى ليالي منتصف شهر أغسطس 1988 .
قال الشباب إنها تناولت الدواء وخلُدت إلى النوم؛ بسبب ما كانت تعانيه من صداع شديد. وكانوا يجرونها بوحشية، ومهما كانت تطلب منهم السماح لها بأخذ مقتنياتها وأدويتها، لا أحد ينصت إليها، ويقولون لها: “لا داعي لذلك!”.
ثم اقتادوها معهم، وعُرِف فيما بعد أنه تم اقتيادها بمعية زوجها مصطفى ميرمحمدي وشقيقها رسول براري إلى حبل المشنقة.
كانت شمسي براري تبلغ 50 عامًا ونيف من العمر أثناء استشهادها، وكان زوجها مصطفى يبلغ من العمر 60 عامًا. ولم أستطع قط أن أصدِّق رحيلها عن عالمنا؛ نظرًا لأنني دائمًا ما أتخيلها أمام عيني.