مليحة أقوامي

مليحة أقوامي، مجاهدة صامدة لم تنكر هويتها

مليحة أقوامي، مجاهدة صامدة لم تنكر هويتها

مليحة أقوامي، مجاهدة صامدة لم تنكر هويتها

4 أغسطس 1988 – ذهبتُ أنا مليحة أقوامي إلى المحكمة في الساعة الـ 3 مساءً، حيث بلغوني بالحكم عليَّ بالإعدام، والساعة الآن الـ 7 مساءً وسوف يقتادوني لتنفيذ الحكم.

بيد أن شابة تبلغ من العمر 26 عامًا كتبت هذه القصة القصيرة المليئة بآلاف الرسائل والأسرار حول تلك المجزرة السوداء، وتم تسليمها بعد بضع ساعات لفرقة الموت. وتعبِّر هذه الجمل من ناحية عن المقاومة الشجاعة لجيل النساء المناضلات أثناء الإبادة الجماعية لمجزرة عام 1988، وهي وثيقة شرف أخرى لهؤلاء البطلات، وتسلط الضوء من ناحية أخرى على وثيقة أخرى لجريمة نظام خميني بحق السجينات المكبلات الأيدي والمناضلات. إلا أن ما يدوم في التاريخ هو بطولة وشجاعة ومثابرة المناضلات في التصدي لنظام خميني.

وُلدت مليحة أقوامي عام 1962 في مدينة شاهرود. وكانت تبلغ من العمر 15 عامًا عندما انضمت إلى منظمة مجاهدي خلق في مدينة شاهرود، وكانت من أكثر أنصار مجاهدي خلق حماسةً.

وأُلقي القبض عليها ذات مرة في عام 1981. وبادر نظام الملالي بنفيها بمعية سجناء مدينة شاهرود الآخرين الصامدين إلى سجن قزل حصار للضغط عليهم. وظلت في هذا السجن حتى عام 1982. وبعد إطلاق سراحها من السجن أعيد اعتقالها بعد فترة قصيرة، وتحديدًا في عام 1983، وتعرَّضت لشتى أنواع التعذيب على أيدي قوات الحرس.

وقالت مليحة أقوامي في اتصال هاتفي لشقيقتها: “يقولون لي إنك غنيمة حربية، ويفعلون بي ما يشاؤون”.

وفي نهاية المطاف، مثلُت مليحة أقوامي أمام لجنة الموت، وتحديدًا في 4 أغسطس 1988، ودافعت عن قضية حرية الشعب الإيراني، وهكذا ضحَّت بحياتها من أجل تحقيق هذا الهدف السامي.

ويتضح من المذكرة التالية التي تركتها هذه الشهيدة أنهم اقتادوها للإعدام في الساعة الـ 7 مساءً:

“أنا مليحة أقوامي، ذهبت اليوم 4 أغسطس 1988، إلى المحكمة، في الساعة الـ 3 مساءً، وبلغوني بالحكم عليَّ بالإعدام، والآن الساعة الـ 7 مساءً، وسوف يقتادوني لتنفيذ الحكم…”. 

والجدير بالذكر أن لا أحد رآها أثناء مجزرة عام 1988 ولم يسلِّم نظام خميني جثتها لعائلتها. بيد أنهم بادروا بأبشع الطرق اللاإنسانية التي لا يتبناها سوى نظام خميني؛ بتسليم عائلتها علبة حلويات كمهر! حتى أن الحراس أخطأوا وسلَّموا عائلتها حقيبة تخص شهيدةً أخرى؛ على أنها حقيبة مقتنيات مليحة أقوامي في سجن إيفين.

ربما لم يشهد أحد صمود تلك الأزهار الحمراء وأشجار السرو الخضراء، في تلك الزنازين الباردة والمظلمة وفي الطريق إلى ساحة الإعدام رميًا بالرصاص. إلا أن التاريخ نفسه شاهد على بسالة وشجاعة أولئك البطلات اللواتي صمدن وهنّ مكبلات الأيدي في مواجهة وحوش خميني المتورطين في الإعدام وارتكاب المجزرة.

مذكرة السجينة السياسية السابقة، مينا انتظاري؛ حول مليحة أقوامي

استمرت شعلة الحياة والمقاومة في سجن إيفين، ومكثتُ لفترة في العنبر الـ 325 في سجن إيفين، في صيف عام 1987، وهو عنبر ذات فناء صغير ومرافق محدودة للغاية.

وكانت كابتنتنا المحبوبة، فروزان عبدي، عضوة الفريق الوطني الإيراني للكرة الطائرة النسائية؛ تقوم بخلق بهجهة ونشاط حيوي خاص في العنبر؛ بإقامة رياضة جماعية والتدريب لمدة ساعة على ممارسة لعبة الكرة الطائرة كل يوم في الصباح الباكر، وبإجراء مسابقة أيضًا على هذه اللعبة في المساء. 

وكانت زميلة العنبر عزيزتي المجاهدة، مليحة أقوامي، فضلًا عن فروزان؛ إحدى الفتيات الدائمات في ألعابنا. وكانت لاعبة من اللاعبات الماهرات في فريق كرة الطائرة.

وكانت مليحة تتمتع أيضًا بمهارة خاصة في كرة الطاولة. وخلال الفترة المؤقتة لإصلاح السجون، في عام 1985، اعتدنا في سجن قزل حصار، أثناء الترفيه في الهواء الطلق على أن نلعب على جائزة أثناء الفترة القصيرة للعب في العنبر الـ 4 .

بالإضافة إلى ذلك، كنّا دائمًا ما نتمتع بإلقاء مليحة للقصائد ونكاتها في أي ظرف من الظروف في السجن. وكانت مليحة أقوامي من أبناء مدينة شاهرود المجاهدين، وأُلقي القبض عليها للمرة الأولى في عام 1981، وتم ترحيلها بمعية عدد آخر من سجناء مدينة شاهرود الصامدين إلي سجن قزلحصار لممارسة المزيد من الضغط عليهم.

أعتقد أن المرة الأولى التي رأيت فيها مليحة في العنبر الـ 4 العام كانت في صيف عام 1982، بيد أنني لم أرها مرة أخرى؛ لأنني نُقلت في تلك الأيام إلى العنبر الـ 8 في سجن قزلحصار للعقاب. ثم سمعت في وقت لاحق أنه تم إطلاق سراحها في عام 1983. وعندما تم نُقلنا إلى العنبر العام، في صيف عام 1984 ؛ بسبب الإغلاق المؤقت للزنازين العقابية، فوجئت جدًا برؤية مليحة مرة أخرى.

وعندما نشأت بيننا علاقة أكثر صدقًا وأوثق؛ بعد فترة قصيرة؛ أخبرتني بقصة إعادة اعتقالها. إذ أنها قررت بعد فترة قصيرة من إطلاق سراحها من السجن الانضمام إلى القوات المقاتلة لمجاهدي خلق على الشريط الحدودي لمواصلة القتال ضد فاشية خميني، على الرغم من أنها تتمتع بإمكانيات معيشية جيدة وتكوين أسرة مستقلة. وحاولت مليحة مغادرة البلاد عبر حدود سيستان وبلوشستان، لكن للأسف تم التعرف عليها واعتقالها، وعادت مرة أخرى إلى سجني إيفين وقزل حصار،وانضمت إلى مجموعة الأصدقاء في العنبر.

وكنت منذ ذلك الحين متعاطفة ورفيقة ومؤتمنة على أسرار ملحية الرحيمة التي كانت تأخذ مأخذها في ذلك الوقت لقضاء عقوبة شديدة بالسجن لمدة 15 عامًا، وأصبحنا رفيقتان لا ينفصلتان في أصعب الظروف، في سجني قزل حصار وإيفين، حتى آخر يوم في السجن. وكانت مليحة أقوامي ذات طبيعة شعرية لطيفة وذاكرة قوية، وحفظت العديد من قصائد شاملو ومولوي وشفيعي كدكني، وغالبًا ما كان يبدأ حديثها بالشعر.

وكانت دائمًا ما تنافس زميلة العنبر حبيبتنا، مهري على وجه الخصوص؛ واسمها الحقيقي “فرنكيس محمدرحيمي”، والتي كانت لديها أيضًا موهبة خاصة في هذا المجال، وكانتا تدخلان في منافسة شعرية مع بعضهما البعض.

وتم إعدام البطلة مليحة بمعية آلاف الفدائيات في عنبرهن، في 6 أغسطس عام 1988؛ بسبب حبهن للحياة ومثابرتهن في طريق تحقيق هدفهن النبيل، وهو حرية أبناء الوطن؛ تلبيةً لأمر جلاد جماران (خميني) وفتواه الشيطانية؛ بتهمة الدفاع عن هويتهن الإيمانية وتعظيم اسم “مجاهدي خلق”.

ولم يبق من مليحة أقوامي لعائلتها الثكلى سوى مذكرة قصيرة أرسلتها سرًا خارج السجن في الساعات الأخيرة قبل الإعدام، وبلاطة في مقبرة “بهشتت زهرا”، وسمعة حسنة!

سمعةٌ طيبةٌ للمجاهدة الصامدة التي لم تنكر هويتها وضحت بحياتها وفاءً لعهدها مع الله والشعب؛ أثناء المجزرة الدموية في عام 1988.

Exit mobile version