نسترن هدايت فيروزآبادي
نسترن هدايت فيروزآبادي، نسترن مشنوقة شامخة
عند استدعاء اسمها على اللسان بلا وعي نتذكر زهور النسترن الجميلة، والتي تنثر كل ما لديها من جمال على المارة فجأة وبلا رياء.
أما نسترن ابنتنا هي فتاة شجاعة من أرض شيراز،
لم تكتف بنثر مشاعرها اللامتناهية على الشعب الإيراني بجمال قلبها وروحها اللطيفة والحميمية،
بل ضحَّت أيضًا بحياتها ووجودها فداءً لحرية أُناسٍ كانت تعشقهم في كل لحظة.
أناس كانت قلوبهم ينابيع من الإيمان، وتتدفق ابتسامة الله في عيونهم.
وُلدت نسترن هدايت فيروزآبادي في يونيو 1958، في مدينة شيراز. والتحقت بالجامعة بعد تخرجها من المدرسة الثانوية، وواصلت دراستها في فرع الإدارة الإعمار بجامعة شيراز.
وتزامنت مرحلة دراستها الجامعية مع الثورة ضد الشاه في عام 1978، وأسرعت لمساعدة الثورة الشعبية المناهضة لديكتاتورية الشاه؛ بأنشطتها الحماسية والشجاعة.
وأدركت عبثية خميني وطبيعته الرجعية، بعد عام 1978، بملاحظة احتكاره وجرائم حاشيته.
وبموجب هذا الفهم لنظام خميني أصبحت مهتمةً بمجاهدي خلق واختارت طريقهم ومثلهم العليا للنضال ضد اضطهاد خميني وديكتاتوريته.
وانضمت لمنظمة مجاهدي خلق الإيرانية مهنيًا اعتبارًا من مايو 1979.
وبعد انضمامها إلى مجاهدي خلق، بدا الأمر كما لو أنها وجدت ضالتها، إذ كانت متحمسة راسخة، لم تهدأ حتى تنجز المهام التنظيمية،
ولم تتواني لحظة واحدة عن السعي لكشف النقاب عن فضائح نظام خميني.
وكرَّست حياتها لتوعية المواطنين بعبثية خميني ونظامه الفاشي، فمن بين أنشطتها الثورية بيع المجلات، وتوزيع المنشورات،
وإجراء مقابلات مع مختلف فئات الشعب، وإعداد التقارير الإخبارية، وتنظيم المظاهرات، وعقد اجتماعات للمناقشة.
وبسبب ما تكنُّه من حب لأبناء الوطن، كانت إحدى مهامها مساعدة الجرحى والمتضررين، وكذلك رعاية أسر الشهداء.
وكان من بين أنشطتها الأخرى جمع المساعدات المالية لمنظمة مجاهدي خلق الإيرانية.
كانت نسترن هدايت فيروزآبادي تدرس في السنة الأخيرة في الجامعة، وتسعى إلى الحصول على درجة البكالوريوس عندما أغلق خميني الجامعات بالانقلاب المناهض للثقافة،
ونتيجة لذلك لم تكمِّل دراستها، ومنذ ذلك الحين فصاعدا، كثَّفت من أنشطتها المهنية.
واتجهت نحو ممارسة نشاطها سرًا، بعد 20 يونيو 1981، في ظل ظروف تضييق الخناق والاضطهاد المطلق والقمع الوحشي الذي تبناه حرَّاس خميني.
وفي نهاية المطاف، داهم حرَّاس خميني منزلها، في ليلة الـ 24 من ديسمبر 1981، عندما كانت مريضة طريحة الفراش،
واعتقلوها وهي في نفس الحالة المرضية، واقتادوها إلى سجن قوات حرس نظام الملالي.
وعندما احتجت والدة نسترن وتساءلت: “ابنتي مريضة إلى أين تأخذونها؟”، رد الحرَّاس بوقاحة قائلين: “ليس هذا هو المهم، يجب أن نأخذها.
باختصار، ما يجب أن نقوله هو أننا سنعيدها إلى منزلها غدًا”. بيد أن نسترن لم تعد إلى منزلها على الإطلاق.
فصل جديد من حياة نسترن هدايت فيروزآبادي
على الرغم من الظروف التي يدعو فيها كل مكان وكل شيء السجين إلى التزام الصمت، إلا أن نسترن انتفضت وكسرت صمت السجن،
إذ أن السجن ليس مكانًا للاستسلام أو لقضاء فترة
العقوبة أو الخضوع للقائمين على التعذيب وإطاعة السجَّان، بل هو فصل جديد من المعركة والنضال بالنسبة للمناضلات الثوريات.
وأطلقت نسترن هدايت فيروزآبادي تشكيلات السجن بمزيد من الديناميكية قدر الإمكان؛
لأنها كانت تعتبر السجن ليس نهاية النضال، بل معبرًا صعبًا في طريق النضال من أجل نيل الحرية، ويمكن تمهيده بالجلد والتعذيب والإعدام.
وكتبت إحدى صديقاتها من زميلات العنبر عن فترة السَجن: “بهذه الطريقة تبادلنا الأخبار والمعلومات مع العنابر الأخرى،
وكانت نسترن تسرِّب المعلومات خارج السجن كقائدة؛ بشتى الطرق الذكية، ومن بين هذه المعلوات أسماء القائمين على تعذيب السجناء وحرَّاس السجن.
وفي إحدى هذه الحالات، شكَّوا في أمرنا، وبعد مراقبة مكثفة اكتشفوا بداية خيط الأنشطة التنظيمية داخل السجن،
وبعد ذلك نقلوا نسترن إلى الحبس الانفرادي وعرَّضوها للتعذيب الشديد“.
بعد الكشف عن التشكيلات في السجن وتحديد دور نسترن فيها، تعرَّضت هذه اللبؤة المنتمية لمجاهدي خلق لشتي أشكال التعذيب الوحشي.
وعندما أصيب خميني بخيبة الأمل من صمود نسترن في تحمُّل التعذيب بادروا في نهاية المطاف باقتياد نسترن بمعية مجموعة أخرى من مجاهدي خلق لمنصة الإعدام، في 28 يونيو 1983،
الموافق ليلة الـ 19 من شهر رمضان، أثناء الإفطار وهي صائمة قبل أن يسمحوا لها بتناول الإفطار.
بيد أن إعدام نسترن يعبِّر عن لوحتين، إحداهما تُظهر قسوة خميني وحرَّاسه وجريمتهم،
والأخرى تُظهر القمع والصمود بشجاعة حتى آخر أشخاص يطأون أقدامهم على طريق النضال ضد الديكتاتورية.
ولم تُشنق نسترن هدايت فيروزآبادي بحبل عادي بل بأسلاك شائكة،
إذ أن حرَّاس خميني أعدموا نسترن وغيرها من مجاهدي خلق بالأسلاك الشائكة والحفارات والجرافات انتقامًا منهم،
ونقلوهم في تلك الليلة إلى مقبرة دار الرحمة في شيراز، ودفنوا جثثهم في حفر كانوا قد حفروها مسبقًا.
وكان عامل المغسلة في المقبرة، الذي شهد هذه المشاهد في تلك الليلة يصف الذكريات المرة لتلك الليلة، حيث كان يقول:
“عندما وضعوا إحدى الفتيات المجاهدات في القبر استعادت وعيها، إذ يبدو أن الأسلاك الشائكة التي قاموا بلفها حول رقبتها لم تكن محكمة،
إذ كان يعاني من اختناق مؤقت فقط، وعندما استعادت الفتاة وعيها ووقفت لتهم بالفرار، قبض عليها الحرَّاس مرة أخرى.
وقال قائدهم: بما أن هذه المنطقة محاطة بالمناطق السكنية،
فإن صوت إطلاق الرصاص سيتسبب في جمهرة المواطنين، ووضعوها في سياره،
واقتادوها إلى الصحاري المحيطة، وبعد إطلاق رصاصة الرحمة عليها، أعادوا جثتها وألقوا بها في القبر”.
وقتل نظام خميني شقيق نسترن أيضًا، في قتال شوارع مع حرَّاس خميني، في شيراز، قبل ما يقرب من 8 أشهر من استشهادها.
وتحمل بتلات نسترن اليوم في جميع أنحاء إيران رسالتها إلى كل مدينة وقرية.
رسالةُ انتفاضة وعصيان لكي تنتفض مثيلاتها الآخريات، وهذا هو الطريق الذي سيستمر حتى عيد الحرية.