سجينات سياسيات وشاهدات العيان يتحدثن عن جرائم مروِّعة بحق المجاهدات

سجينات سياسيات وشاهدات العيان يتحدثن عن جرائم مروِّعة بحق المجاهدات

سجينات سياسيات وشاهدات العيان يتحدثن عن جرائم مروِّعة بحق المجاهدات

امتدادًا لتقرير المؤتمر التاريخي لألف سجين سياسي سابقين، في أشرف الـ 3، والذي عُقد في 14 نوفمبر 2021، بالتزامن مع نقل محاكمة حميد نوري إلى دورس في ألبانيا لمدة أسبوعين، نُطفق على نشر كلمات السجينات السياسيات الأخريات اللواتي شرحن بإيجاز الحقائق المريرة والدموية للجرائم المروِّعة بحق المجاهدات في السجون.

قالت السيدة بروين فيروزان، التي سُجنت لمدة 9 سنوات ونصف في سجون إيفين، وقزل حصار، وجوهردشت؛ في كلمتها: “أُعتُقلت في أغسطس 1981، وأنا إحدى شاهدات العيان على مجزرة الإبادة الجماعية بحق الأخوات المجاهدات، في سجن إيفين، وهي جريمة نادرًا ما تم الحديث عنها حتى الآن. وكنت أثناء ارتكاب مجزرة الإبادة الجماعية، في سجن إيفين، في مبنى يُسمى بالمدرسة، ويتكون هذا المبنى من 3 طوابق. ومنعوا الصحف والزيارات، في أواخر شهر يوليو 1981. كما سحبوا أجهزة التلفزة من العنبر. ونادوا فجأة بمكبر الصوت على أسماء 4 أفراد، في تمام الساعة 11 مساء، في 27 يوليو 1981. وأخذوا زهرا فلاحتي، ومحبوبة حاجعلي، وفرانغيس محمد رحيمي، وفروغ وجميع متعلقاتهن، وكان هذا الإجراء غير مألوف في ذلك الوقت من الليل. وأخذوا المزيد من الأفراد، في الأيام التالية، من بينهن النزيلات اللواتي حُكم عليهن بأحكام مشددة وحتى مَن انتهت مدة عقوبتهن، والأخوات اللواتي كنَّ محتجزات في غرف مغلقة.

واحتجزوني في الحبس الانفرادي، في أوائل أغسطس 1981. وبعد ذلك، نقلوني بمعية عدد آخر من الأخوات إلى ممر العنبر الـ 209، والذي كان في الواقع ممر الموت في سجن إيفين، وتم وضعنا في مواجهة الحائط خلف المحكمة. وكنت معصوبة العينين هناك، ولم أر أي شيء أكثر من ذلك، بيد أنني أدركت من الأصوات والغوغاء في الممر أن الجمع كان غفيرًا جدًا. وكان الممر مزدحمًا جدًا لدرجة أنهم لم يأخذوننا إلى المحكمة وأعادونا إلى الحبس الانفرادي.

لم يتبق من الـ 5 غرف المغلقة سوى سجينة واحدة

رأيت بعد شهر واحد من نقلنا من الحبس الانفرادي إلى الغرف المغلقة أنه لم يتبق سوى سجينة واحدة من الـ 5 غرف المغلقة. وقالت بعض صديقاتي إنهم أعدموا الجميع. وعلى الرغم من أن كل المؤشرات كانت تدل على ذلك، إلا أنه كان من الصعب حقًا تصديق ذلك، وأنا أيضًا كنت لا أزال لا أصدق أنهم قتلوا جميع رفيقاتي وزميلاتي في النضال، خلال تلك الفترة الزمنية القصيرة. ولذلك، من المؤسف أننا لا نزال لا علم لنا بأسماء العديد ممَن تم إعدامهن شنقًا؛ بسبب سرعة ارتكاب هذه الجريمة.

ويمكنني أن أتذكر أسماء 100 فرد فقط؛ من بين العديد من أسماء أخواتي الشهيدات اللواتي كنت معهن في مختلف العنابر. لقد كنَّ من النساء اللواتي عانين ما يفوق طاقة البشر من مرارة التعذيب النفسي والجسدي على مدار الساعة، لمدة 7 سنوات. وكان يتعين على هؤلاء البطلات اللواتي احتجزن في الوحدة السكنية وعشن على مدار الساعة في القفص والحبس الانفرادي لمدة 9 أشهر أن يُقبِّلن حبال المشنقة هذه المرة بعد ما عانين منه من نكبات في السجن، ودفعن ثمن هويتهم كمجاهدات. وكانت كل واحدة منهن ملحمة في حد ذاتها.

 فعلى سبيل المثال، تم إعدام «طيبة خسروآبادي»، على الرغم من إصابتها بالشلل الخلقي في كلتا الساقين وانقضاء فترة حكمها. وكانت طيبة تقول إنها لا تملك أي هوية سوى أنها مجاهدة. وأنها تريد أن تبقى مع المجاهدين، وظلت متمسكة بموقفها حتى آخر لحظة في حياتها. ولم يطلقوا سراح «أشرف فدائي»، على الرغم من صدور الحكم بالإفراج عنها. وقالت أشرف قبل الذهاب إلى المحكمة: “إنني سأدافع عن منظمة مجاهدي خلق الإيرانية، وسأذهب إلى المحكمة باسم المجاهدة”.

وقالت كلٌ من مجكان كمالي، وفضيلت علامة، بصوت مرتفع قبل أعدامهما: “كانوا يجلدوننا قبل الإعدام، ثم نذهب إلى طبلية الإعدام”. واستمتن في الوفاء بعهدهن.

وقالت محبوبة صفائي قبل أن تخرج من العنبر: “إذا نجوتُنَّ ووصلتُنَّ إلى منظمة مجاهدي خلق الإيرانية بلغوهم على لساني أنني لن أتخلى عن مسعود ومريم رجوى حتى آخر لحظة في حياتي”.

يعود تاريخ مجزرة هذه الإبادة الجماعية إلى عام 1987. وكثيرًا ما سمعنا على لسان مجتبى حلوائي، أثناء تعذيب الأخوات، قوله: “لقد قتلنا جيلكن عام 1981. وسوف نقضى على الجيل القادم بعدكن، ولن نسمح بأن تبقى أي واحدة منكن على قيد الحياة”.

أخواتي الشجاعات. لقد انتصر جيلكن. إذ نجدكن متواجدات اليوم أينما كان هناك صرخة مقاومة ونشيد المقاومة الحماسي. فأنتن من سجَّلن ثقافة مجاهدي خلق بعظمة في صدر التاريخ بهذا الشكل الرائع، وعلى حجارة السجن. وهذا الطريق مستمر حتى تحقيق الهدف المنشود، المتمثل في حرية الشعب الإيراني البطل. لذلك، فإننا نجدد العهد معكن، ولن يهدأ لنا بال ما لم نُجبر جميع القتلة على المثول أمام العدالة، وأن نطهِّر صفحات التاريخ والإنسانية من أسمائهم القذرة.

جيل من النساء المستنيرات يختار دفع ثمن الحرية بالكامل

كانت المجاهدة مهين لطيف، واحدة أخرى من المتحدثات في هذا الاجتماع التاريخي. حيث أنها ألَّفت كتاب مذكرات السجن بعنوان “إذا نطقت الجدران”، وكتبت فيه عن الجرائم المروِّعة التي تم ارتكابها بحق المجاهدات. وقالت في بعض أجزاء من حديثها: “لقد بدأت أنشطتي مع منظمة مجاهدي خلق الإيرانية اعتبارًا من عام 1979 بمعية شقيقاتي الـ 3 وشقيقي. واعتُقلت في مايو 1982 حتى مارس 1988، أي أنني سُجنت ما يقرب من 6 سنوات في سجن إيفين. وأمضيت عامًا ونصف، خلال هذه المدة، في الحبس الانفرادي الـ 209، وفي الحبس الانفرادي المسمى بـ “المصحة”. واعتُقلتْ إحدى شقيقاتي، فرزانة لطيف، أثناء مظاهرة في الشارع في عام 1981، وتم إعدامها في سجن إيفين، بعد أسبوع واحد، دون أن تذكر اسمها.

وأعتُقلتْ شقيقتي الأخرى، بروانة، في 20 يونيو 1981، وقضت 6 سنوات في سجني قزل حصار وإيفين. واعتُقل شقيقي الوحيد، علي أكبر لطيف، في عام 1981، عن عمر يناهز الـ 24 عامًا. وعلى الرغم من أنه حُكم عليه بالسجن 8 سنوات، أُعدم شنقًا في سجن إيفين، أثناء مجزرة الإبادة الجماعية في عام 1988، عندما تبقى بضعة أشهر على انتهاء فترة عقوبته؛ بسبب مواقفه الحاسمة المناهضة لنظام الملالي.

والجدير بالذكر أن الملالي كانوا يسعون إلى شطب اسم المجاهد من عقول ووجدان المواطنين، بيد أنه بفضل الدماء الطاهرة للمجاهدين الذي ثبتوا على مواقفهم، والتضحية، والمقاومة، ورفض الخضوع للوحوش؛ استطاع شعبنا ومجاهديه أن يمضوا في طريقهم قدمًا. ومن الملفت للنظر بشكل كبير؛ هو وجود جيل بينهن من النساء المستنيرات اللواتي اخترن دفع ثمن حرية إيران والإيرانيين بالكامل.

لقد عذَّب الملالي الفاشيين، المجاهدات البطلات، من أمثال آزاده طبيب بوحشية لدرجة أنهم أصابوا ساقيها بالكامل حتى أعلى فخذيها، وتغير شكلهما تمامًا. ولم تئن ولم تعوي حتى تحت التعذيب أيضًا. وعجز المحققون الذين كانوا يعذبونها عن مقاومتها. إذ كانوا ينهالون عليها بالضرب ويقولون لها إننا لا نريد منك معلومات على الإطلاق، وكل ما نريده هو أن تصرخين. ولكن ظلت آزاده صامتة. وأُعدِمت آزاده شنقًا في مجزرة الإبادة الجماعية في عام 1988، في سجن إيفين.

وعلَّقوا المجاهدة الشهيدة، سيما حكيم معاني في وضع الميزان القباني لمدة ساعات عديدة، وانكسر كلا ذراعيها، وعندما أنزلوها لم تعد تقوى على استعمال يديها. ولم تقوى على القيام بأي من أعمالها الفردية إلى أن اقتادوها إلى طبلية الإعدام.

واعتقلوا المجاهدة الشهيدة الطبيبة مينو عمراني بمعية ابنتها غزالة، البالغة من العمر 3-4 سنوات، في 2 مايو 1982. وبادرت مينو بالفرار أثناء القبض عليها، وأطلق الحراس النار عليها وأصابوها. وقيدوها في السرير وهي مصابة، أمام ابنتها، وعذبوها حتى الموت. وعندما فشلوا في الحصول منها على معلومات، بعد فترة، اقتادوها للإعدام وهي مصابة على حالها.

وهذه مجرد واقعة واحدة من الآلاف المؤلفة من الوقائع، أو بالأحرى بنا أن نقول إنها كارثة حلت بأجساد وأرواح السجينات المجاهدات في تلك الأيام. والجدير بالذكر أن جميع السجينات اللواتي تم إعدامهن جميعًا شنقًا في مجزرة الإبادة الجماعية، في عام 1988، لم ينجو منهن سوى بضعة مئات فقط، ومن بينهن أخواتي الشجاعات فروزان عبدي، والسيدة العظيمة همدم عظيمي، وفرانغيس كيواني، ومريم ساغري، ومنير عابديني، ومجكان سربي، وهما رادمنش، والآلاف المؤلفة من مجاهدات خلق الأخريات.

والحقيقة هي أن نظام الملالي لم يدخر جهدًا، خلال العقود الـ 4 من حكمه؛ في التستر على أبعاد الجرائم التي ارتكبها أو التقليل من فداحتها. إذ أنه بذل ما في وسعه لإخفاء هوية ضحايا مجزرة الإبادة الجماعية ومقاومتهم. بيد أنه كما انهارت جدران سجون نظام الشاه؛ سوف تنهار جدران سجون نظام الملالي في يوم ليس بالبعيد، وسوف تنطق الجدران بما شهدته.

مقتل بعض رؤوس الأموال البشرية الأكثر قيمة في إيران

كانت مجاهدة خلق الطبيبة خديجة فتحعلي آشتياني، من بين المتحدثات في الاجتماع التاريخي. إذ أنها شهدت الجرائم المروِّعة المرتكبة بحق مجاهدات خلق، على مدار 5 سنوات، في سجون نظام الملالي، وفقدت شقيقها في هذه المجزرة، وقالت:

“كان شقيقي، مهدي فتحعلي آشتياني، أحد مَن أُعدِموا شنقًا. وأعتُقل في عام 1984 عن عمر يناهز الـ 19 عامًا. وظل مسجونًا في سجن جوهردشت حتى مايو 1988. وكانت آخر مرة التقيت فيها بشقيقي في 25 يوليو 1988. وقال لوالدتي أثناء الزيارة إنهم أغلقوا أبواب الغرف لمدة يومين، وسحبوا جهاز التلفزة من العنبر، ولم يقدموا لنا طعام، ويقولون لنا إننا سنعدمكم جميعًا، لذا فأنتم لستم في حاجة إلى طعام.

وقال مهدي إذا حدث ذلك، فإننا سنستقبل الموت بالأحضان. وبعد ذلك مُنعت الزيارات. وفي نهاية المطاف، جاء حرسي إلى منزلنا، في 18 نوفمبر 1988، وطلب منّا أن نذهب إلى لجنة طهران بارس لاستلام شنطة مهدي.

ولكي يُصفِّي نظام الملالي مجاهدي خلق جسديًا لم يكتف بإعدامهم في السجون فحسب، بل بادر باختطاف مَن لم يتمكن من إعدامهم في السجون، بعد إطلاق سراحهم وأبادهم. وتم اعتقال شقيقتي مريم فتحعلي آشتياني، في عام 1990. وتواصَلَتْ مع مجاهدي خلق مرة أخرى بعد إطلاق سراحها، وكانت تعتزم الانضمام لجيش التحرير الوطني. وخرجت من المنزل في 2 أكتوبر 1992، بيد أنها لم تعود إلى المنزل على الإطلاق. وتأكدنا من أنه تم اعتقالها؛ نظرًا لأن جواز سفرها كان في المنزل، ولم نتلق الرمز الذي حددته للدلالة على سلامتها. واعترف نظام الملالي في البداية أنه تم اعتقالها، ولكنه أنكر ذلك على الفور. وكانت والدتي تراجع النيابة العامة، وسجن إيفين، ومراكز نظام الملالي الأخرى، كل يوم، من يوم السبت حتى يوم الأربعاء، على مدار 11 شهرًا، لمتابعة ما آل إليه وضعها، بيد أنهم جميعًا كانوا ينكرون القبض عليها. وفي نهاية المطاف، وتحديدًا في 30 أغسطس 1993، قال الجلاد حميد نوري، الذي يمثل أمام العدالة هذه الأيام؛ لوالدتي إن ابنتك كان ترغب في الانضمام لمجاهدي خلق، لذلك قتلناها.

والجدير بالذكر أن نظام الملالي أباد كل من زهرا نياكان، وهوشنك مير رحيمي، وكثيرين آخرين من السجناء التابعين لمجاهدي خلق، بعد إطلاق سراحهم.

زهرا نیاکان

كان عدد كبير ممَن قُتلوا في مجزرة الإبادة الجماعية لمجاهدي خلق؛ من أكثر رؤوس الأموال البشرية قيمة في إيران. إذ كان من بينهم الطلاب، وخريجي الأقسام المختلفة، والخبراء، وأساتذة الجامعات، والكتَّاب والفنانون، والأطباء، والممرضات، والأطقم الطبية، والطلاب في مختلف الأقسام الطبية. وأكتفي بذكر أسماء بعض الأشخاص من زملائي الأطباء، الذين تم إعدامهم شنقًا على الملأ، في تبريز، من أمثال الطبية معصومة كريميان (شورانكيز)، والطبيب طبيبي نجاد، البالغ من العمر 55 عامًا، والطبيب فيروز صارمي، البالغ من العمر 60 عامًا. والدكتور منصور بايدار آراني، والطبيب محسن فغفور، والطبيب رضا بهمن آبادي، والطبيب منصور حريري، الذي استشهد أفراد عائلته الـ 5، والطبيب فرزين نصرتي، وقافلة من الأطباء والطاقم الطبي، الذين تم تسجيل أسماء وتفاصيل العديد منهم في قائمة شهداء منظمة مجاهدي خلق الإيرانية.

معصومة كريميان (شورانكيز)

ولا شك في أن إخلاص هؤلاء الأبطال ودمائهم هو الذي ضمن انتصار النضال ضد الاستبداد الديني، على مدار هذه السنوات العديدة، وسوف يضمن ذلك في المستقبل أيضًا. ولا شك في أن يوم النصر قريب”.

Exit mobile version